معالي الدكتور إدوين ديكولوتي، رئيس جمعية الصحة العالمية السابعة والسبعين، أصحاب السعادة والمعالي، الزملاء والأصدقاء الأعزاء، مساء الخير. 

يسرني أن أعرض لكم تقريري عن أعمال منظمتكم في العام الماضي. كان عام 2023 عاماً مليئاً بالعديد من التحديات، وكذلك العديد من الإنجازات. 

وترد هذه الإنجازات في تقرير المنظمة عن النتائج، وهو تقرير شامل وتفاعلي متاح على الموقع الإلكتروني للمنظمة. والتقرير يقدم لمحة عامة مفصلة عن عمل الأمانة، مدعومة بالبيانات والرسوم البيانية والخرائط والقصص القطرية وأكثر من ذلك. ويعرض التقرير معلومات مفصلة عن مصدر تمويلنا، وقنوات إنفاقه، ونتائجه. وإني لأحثكم على قراءته. ولا يسعني اليوم إلا أن أعرض عليكم بعض النقاط البارزة، وفقاً لكل غاية من غايات "المليارات الثلاثة" لبرنامج العمل العام الثالث عشر. 

أولاً، تعزيز صحة الفئات السكانية. هذه هي الغاية الوحيدة من الغايات الثلاثة التي تبين تقديراتنا أنها ستتحقق، حيث من المتوقع أن يتمتع 1,5 مليار شخص بمزيد من الصحة والعافية بحلول عام 2025. وقد حققت هذه الغاية الدول الأعضاء التي تعمل عبر القطاعات لمعالجة الأسباب الجذرية لاعتلال الصحة: الهواء غير النقي، والنظم الغذائية غير الصحية، والمياه غير المأمونة، والبيئات الملوثة، والمنتجات التي تضر بالصحة. 

فتعاطي التبغ آخذ في الانخفاض في 150 بلداً، وانخفض الآن عدد المدخنين على مستوى العالم بمقدار 19 مليون مدخن عما كان عليه قبل عامين. ورفع أكثر من 90 بلداً الضريبة على التبغ بين عامي 2020 و2022. وفي كانون الأول/ ديسمبر ، نشرت المنظمة دعوة إلى العمل لمنع الإقبال على السجائر الإلكترونية، إلى جانب مذكرة تقنية تقدم بيّنات على ما تسببه هذه السجائر من ضرر. 

ونرى أيضاً اتجاهات إيجابية فيما نبذله من جهود لتحسين التغذية والنظم الغذائية الصحية. ففي العام الماضي، أقر 13 بلداً آخر أو نفذ سياسات تطبق أفضل الممارسات لتخليص إمداداتها الغذائية من الدهون المتحولة. ويتمتع ما يقرب من نصف سكان العالم الآن بالحماية بموجب هذه السياسات، مقارنةً بنسبة 7٪ فقط في عام 2018، عندما أطلقنا دعوة المنظمة إلى العمل. وقد أدت هذه السياسات، وفقاً لتقديراتنا، إلى خفض عدد الوفيات السنوية الناجمة عن الدهون المتحولة بمقدار الثلثين. 

وبفضل الدعم المقدم من المنظمة، يتخذ عدد متزايد من البلدان إجراءات للتصدي للسمنة وهزال الأطفال، وتوسيع نطاق الرضاعة الطبيعية؛ ورفع 28 بلداً الضرائب على الكحول أو التبغ أو المشروبات السكرية.

ونعمل أيضاً على جعل طرق العالم أكثر أماناً. فعلى مدى العقد الماضي، تمكن 45 بلداً من خفض الوفيات الناجمة عن حوادث المرور بنسبة 30% على الأقل، وحققت 10 بلدان انخفاضاً بنسبة 50% أو أكثر، وهي: بيلاروس، وبروني دار السلام، والدانمرك، واليابان، وليتوانيا، والنرويج، والاتحاد الروسي، وترينيداد وتوباغو، والإمارات العربية المتحدة، وفنزويلا.

ونعمل على زيادة عملنا في مجال العلوم السلوكية لتحسين فهم السبب في اتخاذ الناس للقرارات المتعلقة بصحتهم. وفي أعقاب اعتماد جمعية الصحة في العام الماضي قراراً بشأن العلوم السلوكية، عملنا مع البنك الدولي لإصدار تقرير جديد تبيّن منه أن العلوم السلوكية، بينما كان بعض البلدان يستخدمها في السياسات والتخطيط، فإنها غالباً ما تكون مجزأة ومخصصة وغير مرتبطة بالاستراتيجيات الصحية الوطنية.

وفي حين أن الصحة هي حالة من اكتمال السلامة البدنية والنفسية والرفاه الاجتماع، فما نال الصحة من الاهتمام كان ضئيلاً. فأنشأتُ بالتالي لجنة معنية بالتواصل الاجتماعي تُسلِّط الضوء على الأثر المترتب على العزلة الاجتماعية وتقدم لي وللعالم المشورة بشأن كيفية معالجتها. ولذا، توجد أسباب عديدة تدعو إلى التفاؤل في عملنا في مجال محددات الصحة، وإن كانت هناك حاجة إلى المزيد من العمل.

ولعل التهديد الأكبر للصحة في عصرنا يأتي من مناخنا المتغير. ففي أثناء الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في الإمارات العربية المتحدة في العام الماضي، خُصص للمرة الأولى في البرنامج يوم للصحة. وإني لأشكر دولة الإمارات العربية المتحدة على قيادتها. وقد وَقَّع 149 بلداً على الأقل إعلان الإمارات بشأن المناخ والصحة الصادر عن الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف، وتعهد المانحون بتوفير أكثر من مليار دولار أمريكي لمعالجة الآثار الصحية المترتبة على تغير المناخ. كما اضطلعت المنظمة ومجتمع الصحة العالمي بدور في الحفاظ على الالتزام بتحويل المسار بعيداً عن الوقود الأحفوري في الاتفاق النهائي.

ونقدم الدعم في الوقت نفسه إلى البلدان لبناء نظم صحية قادرة على تحمل تغير المناخ ومراعية للمناخ بقدر أكبر. وفي العام الماضي، دعمنا كهربة المرافق الصحية بالطاقة الشمسية في الصومال، وبدأنا دعم بلدان أخرى من بينها إثيوبيا وباكستان وأوغندا واليمن وزامبيا، بالتعاون مع اليونيسيف وتحالف غافي للقاحات.

ونواصل العمل أيضاً مع شركائنا في اللجنة الرباعية لدعم البلدان في تحويل نهج الصحة الواحدة إلى سياسة وعمل. ويُحرز ما لا يقل عن 63 بلداً تقدماً في تقديم الرعاية للاجئين والمهاجرين، ومعالجة الأسباب الجذرية لاعتلال الصحة. فعلى سبيل المثال، وضعت كولومبيا سياسات مكّنت 3,5 ملايين مهاجر من تلقي الخدمات الصحية.

ونأتي الآن إلى ثاني غايات "المليارات الثلاثة"، وهي: استفادة مليار شخص آخر من التغطية الصحية الشاملة. هنا، الأخبار أقل تشجيعاً. إذ تشير تقديراتنا إلى أن الخدمات الصحية الأساسية ستغطي 585 مليون شخص إضافي دون إنفاق صحي باهظ بحلول عام 2025، أي أننا سنقطع ما يتجاوز بقليل منتصف الطريق نحو غايتنا البالغة مليار شخص.

وعلى الرغم من أن 30٪ من البلدان قد أحرزت تقدماً منذ عام 2000 في كل من التغطية بالخدمات والحماية المالية، فإننا نتراجع على المستوى العالمي فيما يتعلق بالحماية المالية. ويواجه مليارا شخص ضوائق مالية بسبب النفقات الصحية من المال الخاص. ولا يستفيد نصف سكان العالم استفادة كاملة بالخدمات الصحية الأساسية. وهذا أمر مذهل.

وفي أثناء الاجتماع الثاني الرفيع المستوى للجمعية العامة بشأن التغطية الصحية الشاملة، عقدت البلدان أكثر من 50 التزاماً بتوسيع نطاق إتاحة الخدمات الصحية الأساسية تدريجياً، وبتحسين الحماية المالية. ولدعم البلدان في الوفاء بتلك الالتزامات، تعمل المنظمة في أكثر من 120 بلداً من خلال شراكة التغطية الصحية الشاملة. وانضممنا أيضاً إلى اتحاد يتألف من مصارف التنمية المتعددة الأطراف لإطلاق منصة الاستثمار في الأثر الصحي بمبالغ قدرها 1,5 مليار يورو لدعم مشاريع الرعاية الصحية الأولية في البلدان. ونهدف إلى البدء في إجراء المدفوعات اعتبارا من أيلول/ سبتمبر.

وفي العام الماضي، قدمنا الدعم إلى 23 بلداً لتعزيز قواها العاملة في مجالي الصحة والرعاية. فعلى سبيل المثال، نستعد لتدريب الممرضات والقابلات على استخدام مجموعة من أدوات الرعاية الطارئة الأساسية التي يمكنها الحد من الوفيات في المستشفيات بمقدار يصل إلى النصف. وبفضل الدعم المقدم من المنظمة، أحرز 95 بلداً تقدماً كبيراً في الوقاية من العدوى ومكافحتها في العام الماضي، مع أمثلة استثنائية في أذربيجان وكازاخستان والصومال وأوكرانيا.

وكان عام 2023 عاماً منتجاً بالنسبة لعمل المنظمة الداعم لإتاحة الأدوية والمنتجات الصحية الأخرى. فقمنا في العام الماضي باختبار مسبق لصلاحية 120 دواء ولقاحاً ووسيلة تشخيص ومنتجات أخرى لمكافحة فيروس العوز المناعي البشري والملاريا والسل المقاوم للأدوية المتعددة ومرض فيروس الإيبولا وشلل الأطفال وكوفيد-19، فضلاً عن أول نظائر الأنسولين المديدة المفعول؛ وأصدرنا ثمانية إنذارات بشأن المنتجات الطبية المتدنية النوعية والمغشوشة؛ وقمنا بتوحيد التسميات لأكثر من 300 علاج بالخلايا والجينات - ويبدو هذا الأمر مملاً، لكن هذا واحد من الأشياء التي تقوم بها المنظمة دون أن يلاحظها أحد، ولكنها تُحدث فرقاً كبيراً للباحثين والمصنعين والقائمين على وصف الأدوية.

ونواصل أيضاً دعم الدول الأعضاء في تعزيز نظمها التنظيمية. ونوهنا بنظام تركيا الذي حقق مستوى النضج 3، ونظام المملكة العربية السعودية الذي حقق المستوى 4. وأضحت سنغافورة وجمهورية كوريا وسويسرا أول ثلاثة بلدان تصبح سلطات تنظيمية مدرجة في قائمة المنظمة، مما يجعلها "جهات تنظيمية مرجعية". وقمنا لتوّنا في الأسبوع الماضي بإدراج 33 جهة تنظيمية وطنية وإقليمية أخرى.

وتستمر فرص نقل التكنولوجيا والتصنيع المتنوع جغرافيا في التوسع، تحت قيادة المنظمة. فانضم خمسة عشر شريكاً إلى برنامج نقل تكنولوجيا الرنا المرسال، وبدأوا بفضل الدعم المقدم من المنظمة توسيع نطاق التكنولوجيا ليشمل لقاحات جديدة ذات أهمية إقليمية وعالمية. وأنشأنا أيضاً المركز العالمي للطب التقليدي في الهند، واستضفنا أول مؤتمر قمة عالمي بشأن الطب التقليدي.

وكان واحد من أكبر الاضطرابات الناجمة عن جائحة كوفيد-19 هو تعطيل برامج التمنيع الروتينية في العديد من البلدان، مما أدى إلى تراجع التغطية بلقاحات الحصبة والخُناق وشلل الأطفال والحمى الصفراء وتفشي هذه الأمراض. وفي نيسان/ أبريل من العام الماضي، أطلقنا "حملة الاستدراك الواسعة" مع اليونيسف وتحالف غافي، لدعم البلدان في وقف الفاشيات وإعادة تنفيذ برامج التمنيع على مستويات ما قبل الجائحة على الأقل.

وفي هذا العام، تقوم معظم البلدان اﻠ20 التي لديها أكبر عدد من الأطفال الذين لم يتلقوا أي لقاحات أثناء الجائحة بإطلاق وتنفيذ خططها للوصول إلى هؤلاء الأطفال. وفي الوقت نفسه، أوصى فريق الخبراء الاستشاري الاستراتيجي المعني بالتمنيع في العام الماضي بلقاحات جديدة مضادة لحمى الضنك والتهاب السحايا، وبلقاح ثان مضاد لملاريا، هو اللقاح R21-Matrix M.

وفيما يتعلق برعاية الأمهات والمواليد والأطفال، دعمنا 43 بلداً لوضع خطط لتسريع الحد من الوفيات. وفيما يتعلق بالمراحل الأخيرة من الحياة، قدمنا الدعم إلى 18 بلداً لتعزيز رعاية كبار السن؛ واعتمد 20 بلداً آخر تشريعات بشأن مختلف جوانب القضايا الصحية المتصلة بالعمر.

وفيما يتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية، قدمنا الدعم إلى 23 بلداً من البلدان ذات الأولوية لتسهيل إتاحة خدمات جيدة تركز على الناجيات من العنف الجنسي. ونشرنا تقريراً جديداً يوضح أن 1 من كل 6 أشخاص في سن الإنجاب على مستوى العالم يعانون من العقم.

وبطبيعة الحال، فإن الهدف من كل هذا العمل لتعزيز النظم الصحية هو تحسين الحصائل الصحية، وفي هذا الصدد هناك الكثير مما يثير الابتهاج. فقد كان العام الماضي بالغ الأهمية لكفاحنا ضد الملاريا. إذ تم الإشهاد على خلو أذربيجان وبليز وطاجيكستان من الملاريا، وانضمت كابو فيردي إلى هذه القائمة في أوائل هذا العام.

وتلقى أكثر من مليوني طفل في غانا وكينيا وملاوي أول لقاح للملاريا، هو اللقاح RTS,S، مما أسفر عن انخفاض بنسبة 13٪ في الوفيات الناجمة عن جميع الأسباب بين الأطفال. ويعتزم 30 بلداً على الأقل اعتماد اللقاح، وتمت الموافقة بالفعل على حصول 22 بلداً على الدعم من تحالف غافي، وتخطط هذه البلدان لطرح اللقاح في هذا العام أو العام المقبل.

غير أن الطلب يفوق العرض، وبالتالي ستساعد الموافقة على اللقاح R21 الجديد على سد هذه الفجوة، ويمكن أن تؤدي إلى إنقاذ عشرات الآلاف من أرواح الشباب، ولا سيما في أفريقيا. وها قد تم إرسال أول شحنة من لقاح الملاريا R21 الجديد، يوم الجمعة الماضي، إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، والاستعدادات جارية لإرسال شحنات إلى سبعة بلدان أخرى.

وفيما يتعلق بالسل، حصل نحو 8 ملايين شخص، أي أكثر من أي وقت مضى، على إمكانية الحصول على التشخيص والعلاج في العام الماضي. ومنذ عام 2015، تمكَّن 47 بلداً، معظمها في أفريقيا وفي أوروبا، من خفض وفيات السل بأكثر من الثلث. وبالإضافة إلى ذلك، اتفق الاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة بشأن مكافحة السل على غايات جديدة للقضاء على السل، وأطلقنا المجلس المعني بتسريع إتاحة لقاحات السل، لتيسير تطوير لقاحات السل الجديدة وترخيصها واستخدامها المنصف.

وفيما يتعلق بفيروس العوز المناعي البشري، أصبح الآن أكثر من 75٪ من المصابين بهذا الفيروس على مستوى العالم يتلقون العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية، ويكاد جميع الأشخاص الذين تلقوا العلاج قد حققوا كبتا للحمل الفيروسي، مما يعني أنهم لا يمكنهم نقل العدوى لغيرهم. وتم الإشهاد على قضاء تسعة عشر بلداً على انتقال فيروس العوز المناعي البشري و/ أو الزهري من الأم إلى الطفل؛ وأصبحت مصر أول بلد يبلغ مركز "المستوى الذهبي" على مسار القضاء على التهاب الكبد C.

وتخلصت ستة بلدان في العام الماضي من واحد أو أكثر من أمراض المناطق المدارية المهملة: فتخلصت بنن والعراق ومالي من التراخوما؛ وتخلصت غانا من داء المثقبيات الأفريقي؛ وتخلصت بنغلاديش وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية من داء الفيلاريات اللمفي. كما أصبحت بنغلاديش أول بلد في العالم يتخلص من داء الليشمانيات الحشوي، وذلك بفضل التعاون بين العديد من الشركاء، بما في ذلك المنظمة والبرنامج الخاص المشترك بين اليونيسيف والبرنامج الإنمائي والبنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية للبحث والتدريب في مجال أمراض المناطق المدارية.

ولدينا أيضاً الكثير مما نفخر به في عملنا بشأن الأمراض غير السارية، ومن الأمثلة على ذلك ارتفاع ضغط الدم، وهو سبب رئيسي من أسباب الوفيات المبكرة التي تستدعي الاهتمام في جميع البلدان. ففي العام الماضي، نفذت 10 بلدان جديدة حزمة HEARTS بشأن ارتفاع ضغط الدم، بما شمل 7 ملايين شخص آخر. ونشرنا تقريرنا العالمي الأول عن ارتفاع ضغط الدم الذي يقدّر أن المرض يصيب 1 من كل 3 بالغين في العالم، ولكن 4 من كل 5 أشخاص لا يتلقون العلاج المناسب.

وتنشط المبادرة العالمية بشأن مكافحة سرطان الأطفال حالياً في 76 بلداً في جميع الأقاليم، وتقدم الدعم التقني والمالي لتحسين تقديم الخدمات في العشرات من مراكز سرطان الأطفال. واعتمد أحد عشر بلداً آخر في العام الماضي لقاح فيروس الورم الحليمي البشري المضاد لسرطان عنق الرحم. ودعمنا أكثر من 80 بلداً لدمج الخدمات المتعلقة بالأمراض غير السارية في نظمها الصحية. وقبل شهرين فقط، تعهد الشركاء بتقديم ما يقرب من 600 مليون دولار أمريكي للقضاء على سرطان عنق الرحم.

ومن خلال مبادرة المنظمة الخاصة بشأن الصحة النفسية، دعمنا 9 بلدان للتوسع في إتاحة خدمات الصحة النفسية لما يقرب من 20 مليون شخص آخر، وتلقى 12 بلداً تعاني من طوارئ معقدة عمليات نشر لخبراء الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي. وقمنا بتحديث إرشاداتنا بشأن الاضطرابات النفسية والعصبية والاضطرابات الناجمة عن تعاطي المواد المخدرة، وهي الإرشادات التي يستخدمها أكثر من 100 بلد منخفض ومتوسط الدخل لتوسيع نطاق توفير رعاية الصحة النفسية على مستوى الرعاية الصحية الأولية.

وفي الوقت نفسه، نواصل دعم البلدان في الاستجابة لأزمة مقاومة مضادات الميكروبات المتفاقمة التي تتسبب في مقتل 1,3 مليون شخص كل عام. ومنذ عام 2016، تضاعف عدد البلدان التي تبلغ النظام العالمي لترصد مقاومة مضادات الميكروبات بالبيانات عن العدوى البكتيرية بأكثر من ثلاثة أضعاف. وبفضل الدعم المقدم من المنظمة، وضع 11 بلداً آخر خطط عمل وطنية متعددة القطاعات بشأن مقاومة مضادات الميكروبات في العام الماضي، ليصل العدد الإجمالي إلى 178 بلداً، ودعمنا البلدان لتأمين تمويل جديد لمقاومة مضادات الميكروبات من صندوق مكافحة الجوائح والصندوق العالمي.

وإنكم ستنظرون هذا الأسبوع في قرار مهم بشأن مقاومة مضادات الميكروبات؛ وسيكون الاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة هذا العام بشأن مقاومة مضادات الميكروبات فرصة مهمة أخرى لتأمين تعهدات ملموسة لهذا التهديد العالمي العاجل.

وأنتقل الآن إلى ثالث غايات "المليارات الثلاثة"، ألا وهو الطوارئ. وفقاً للاتجاهات الحالية، تشير تقديراتنا إلى أن 777 مليون شخص سيحصلون على حماية أفضل من الطوارئ الصحية بحلول عام 2025، أي أننا قطعنا ثلاثة أرباع الطريق نحو تحقيق غايتنا البالغة مليار شخص. وبطبيعة الحال، فإن عبارة "حماية أفضل" لا تعني الحماية الكاملة، وكما أظهرت جائحة كوفيد-19، فإن أمام جميع الدول الأعضاء الكثير مما عليها عمله، فرادى وجماعات.

وقد أعلنتُ في أيار/ مايو نهاية اعتبار كل من كوفيد-19 وجدري القردة من طوارئ الصحة العالمية. ولا نزال ندعو جميع البلدان إلى الحفاظ على القدرات التي بنتها أثناء الجائحة وتعزيزها لأغراض الترصُّد والكشف والاستجابة. ويجب ألا تذهب هذه الاستثمارات سدى. وقد اضطلع مرفق كوفاكس، الذي أغلق أبوابه في نهاية العام الماضي، بدور حيوي، حيث قدم ما يقرب من ملياري جرعة وأنقذ ما يقدر بنحو 2,7 مليون شخص في البلدان المنخفضة الدخل.

وبصورة إجمالية، استجابت المنظمة لعدد 65 طارئة مصنَّفة في العام الماضي، وهي: الزلازل في تركيا والجمهورية العربية السورية؛ والنزاع وانعدام الأمن في جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وغزة وهايتي وميانمار والسودان وأوكرانيا؛ وفاشيات الكوليرا وحمى الضنك والخناق والتهاب الكبد E ومرض فيروس ماربورغ والحصبة وجدري القردة وأكثر من ذلك؛ في حين أن الانتشار العالمي لأنفلونزا الطيور في أنواع حيوانية جديدة لا يزال يُشكِّل تهديداً مستمراً.

واستجابةً لذلك، دعمت المنظمة عشرات البلدان للحصول على اللقاحات والعلاجات. فدعمنا للمرة الأولى نشر لقاح جديد ضد خمس سلالات من التهاب السحايا استجابة لفاشية كبيرة في غرب أفريقيا. وساعدنا في حماية 60 مليون شخص من الحمى الصفراء مدى الحياة، بما في ذلك الفئات المعرضة لخطر كبير مثل العاملين في الغابات في جمهورية أفريقيا الوسطى.

واضطلعت أفرقة الطوارئ الطبية بدور حيوي في استجابتنا لعدد 19 طارئة حول العالم، بما في ذلك غزة. وقدمنا الدعم لنشر 18 فريقاً في غزة تتألف من مهنيين صحيين من جميع أنحاء العالم، قدموا ما يقرب من 400 ألف استشارة، وأجروا أكثر من 18 ألف عملية جراحية، وأضافوا أكثر من 500 سرير آخر في المستشفيات. وهم يعملون على جميع مستويات الرعاية، في الشمال والجنوب، ويقدمون خدمات الاستقرار في حالات الرضوح، وولادة الأطفال، ودعم الإنذار المبكر بفاشيات الأمراض، وأكثر من ذلك بكثير.

وبالإضافة إلى ما تقدم، أوفدت المنظمة وشركاؤها بعثات لدعم عمليات نقل المرضى، وقدمنا ما قيمته 15 مليون دولار أمريكي من الغذاء والمياه والإمدادات الطبية إلى المرافق الصحية، ولا تزال إمدادات أخرى بقيمة 13 مليون دولار أمريكي في الطريق. وكانت المنظمة موجودة في غزة قبل بدء النزاع وستبقى هناك لدعم النظام الصحي حتى ينتهي هذا النزاع، وللمساعدة في إعادة بنائه بعد ذلك.

وفي السودان، ترك القتال المستمر منذ أكثر من عام ما يقرب من 15 مليون شخص في حاجة إلى المساعدة الصحية. فأكثر من ثلاثة أرباع المستشفيات، وما يقرب من 90٪ من مرافق الرعاية الأولية خرجت من الخدمة. فقدمت المنظمة إمدادات بقيمة 19 مليون دولار أمريكي لدعم استمرارية الخدمات الصحية لمن هم في أمس الحاجة إليها، وللوقاية من الفاشيات والاستجابة لها.

وفي أوكرانيا، نواصل دعم النظام الصحي الذي ظل قادراً على الصمود ولكنه يواجه تحديات مستمرة. وسيحتاج ما يقدر بنحو 7,8 ملايين شخص إلى مساعدة صحية في عام 2024.

وفي جميع هذه الحالات الثلاث، وغيرها، لا نزال نشهد هجمات على مرافق الرعاية الصحية. ففي العام الماضي، تحققت المنظمة من حدوث أكثر من 1510 هجمات على مرافق الرعاية الصحية في 19 بلداً، تسببت في وقوع 749 حالة وفاة وأكثر من 1200 إصابة. والهجوم على مرافق الرعاية الصحّية أو عسكرتها تُشكِّل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني.

وفي جميع الحالات الثلاث، الحل الوحيد هو السلام. وإننا لندعو إلى وقف إطلاق النار في غزة؛ ووقف إطلاق النار في السودان؛ ووقف إطلاق النار في أوكرانيا. ندعو إلى السلام في البلدان الثلاثة. الآن.

ولا نزال نمضي قُدماً نحو تحقيق هدفنا المتمثل في القضاء على شلل الأطفال. ففي العام الماضي، تم الإبلاغ عن ست حالات بسبب فيروس شلل الأطفال البري في باكستان وست حالات في أفغانستان، وهو ثاني أقل عدد من الحالات المبلغ عنها في سنة تقويمية. وأُبلغ حتى الآن عن ثلاث حالات خلال هذا العام: حالة في أفغانستان وحالتان في باكستان. وقد كثفنا جهودنا للوصول إلى الأطفال غير الحاصلين على اللقاح في بضع مقاطعات في كلا البلدين، ونرحب باستئناف التمنيع من منزل إلى منزل مؤخراً في جنوب أفغانستان بعد ما يقرب من ست سنوات.

وفي حين أن عملنا في مجال الاستجابة للطوارئ غالباً ما يتصدر عناوين الصحف، فإن عملنا في مجال دعم البلدان للوقاية من الطوارئ والتأهب لها أقل وضوحاً من ذلك، وإن كان على القدر نفسه من الأهمية. فعلى سبيل المثال، بدأ صندوق مكافحة الجوائح عمله، والطلب عليه مهول. وصرف الصندوق في جولته الأولى 338 مليون دولار أمريكي إلى 37 بلداً، ولكنه تلقى طلبات من أكثر من 120 بلداً، تجاوزت فيها مطالب التمويل ملياري دولار أمريكي. وأُغلق باب التقديم للجولة الثانية لتوه، ولا يزال الطلب قوياً.

ونواصل دعم العديد من الدول الأعضاء لتعزيز قدراتها الأساسية في مجال الطوارئ الصحية، بما في ذلك القدرات المختبرية، بدعم من مكتبنا في ليون. كما أطلقنا آلية i-MCM-net، وهي آلية تنسيق مؤقتة لتسهيل الإتاحة العالمية المنصفة في الوقت المناسب للتدابير الطبية المضادة الجيدة والمأمونة والفعالة والميسورة التكلفة. وأطلق مركز المنظمة لتحليل المعلومات عن الجوائح والأوبئة الشبكة الدولية لترصد مسببات الأمراض التي اتسع نطاقها ليشمل 94 منظمة في 43 بلداً. وأصبح نظام المجمع البيولوجي للمنظمة يشتمل الآن على 30 عينة بيولوجية، وتم تبادل أكثر من 100 مادة بين الدول الأعضاء.

وبعد المرحلة التجريبية الناجحة للاستعراض الشامل للصحة والتأهب، التحقت 10 بلدان تقع في خمسة أقاليم بالمرحلة التالية. كما أطلقنا مبادرة التأهب للتهديدات الناشئة والقدرة على الصمود أمامها، وهي نهج متكامل للتخطيط للجوائح. وندعم فرنسا واللجنة الأولمبية الدولية للتحضير للألعاب الأولمبية هذا العام في باريس.

وتتمثل الركيزة الرابعة لبرنامج العمل العام الثالث عشر في بناء منظمة أكثر فعالية وكفاءة، بأساليب منها العلوم والبيانات والبحوث والتكنولوجيات الرقمية. ومنذ انعقاد جمعية العام الماضي، نشرنا أكثر من 8000 مطبوع ووثيقة جديدة؛ وأشرفنا على ضمان جودة ما يقرب من 500 منتج تقني معياري؛ ووافقنا على 28 مبدأً توجيهياً سريرياً وصحياً عمومياً جديداً مستنيراً بالبيّنات؛ ودعمنا 26 بلداً لوضع آليات لتكييف وتنفيذ مبادئنا التوجيهية وقواعدنا ومعاييرنا؛ ودعمنا 50 بلداً بنهج "التنفيذ من أجل إحداث الأثر" القائم على البيانات.

وبالإضافة إلى ذلك، أصبح المركز العالمي للبيانات الصحية يضم الآن أكبر قواعد بيانات في العالم بشأن عدم المساواة والوفيات؛ ونفذ أكثر من 120 بلداً حتى الآن المراجعة الحادية عشرة للتصنيف الدولي للأمراض (التصنيف-11)؛ وأطلقنا الشبكة العالمية للإشهاد الصحي الرقمي والمبادرة العالمية للصحة الرقمية، وأصدرنا إرشادات بشأن تنظيم الذكاء الاصطناعي لأغراض الصحة؛ وقدَّم المجلس المعني باقتصاديات الصحة للجميع تقريره النهائي؛ وسيُفتتح حرم أكاديمية المنظمة في ليون في تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام، إيذاناً ببدء عهد جديد. وإني لأشكر فرنسا على دعمها المستمر، وأرحب بإطلاق مجموعة أصدقاء أكاديمية المنظمة.

وكل هذا يدعمه استمرارنا في تنفيذ برنامج عمل التحوّل في المنظمة، كما أوضحت في صباح هذا اليوم.

أصحاب السعادة والمعالي، الزملاء والأصدقاء الأعزاء،

لقد قدمت إليكم قائمة طويلة ولكنها، كالعادة دائماً، لا تكاد تنصف العمل الواسع النطاق والمتعمق الذي تضطلع به المنظمة في جميع أنحاء العالم. ولم تكن سوى خدش للسطح. بعضها ينجح في تصدر عناوين الصحف؛ ومعظمها لا ينجح في ذلك. وبعضها يجذب انتباه الجهات المانحة؛ وبعضها لا يجذبه.

ومع اقترابنا من نهاية برنامج العمل العام الثالث عشر، يتبين أن لدينا الكثير مما يدعونا للفخر، ولكننا نواجه تحديات متزايدة. وسوف أظل أنا وزملائي ملتزمين بخدمتكم قدر استطاعتنا، عاملين معاً من أجل إيجاد عالم أوفر صحة وأكثر أماناً وعدلاً.

شكراً لكم.