السيدة الرئيسة،
أصحاب السعادة، أصحاب المعالي،
الزملاء والأصدقاء الأعزاء، صباح الخير لكم جميعاً،
وأتمنى لكم عاماً جديداً طيباً وسعيداً.
مع بزوغ فجر العام الجديد تتهيأ لنا فرصة التطلُّع إلى المستقبل مفعمين بالأمل، وإلقاء نظرة إلى الوراء على العام الذي انقضى. وعندما أعود بنظري إلى عام 2023، تراودني مشاعر ممتزجة.
فقد كان عاماً للاحتفال، حيث احتفلنا بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لإنشاء المنظمة، واستعرضنا ما شاركنا في تحقيقه من تحسينات عديدة في مجال صحة الإنسان. وقد تحقق أيضاً العديد من الإنجازات والعلامات البارزة، بما فيها وضع نهاية لاعتبار مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) وجدري القردة طارئتين صحيتين عالميتين.
لكنه كان أيضاً عاماً للحداد؛ حيث كان عاماً مشوباً بالنزاعات والكوارث والأمراض التي يمكن الوقاية منها والوفيات. كان عاماً من الأسى لأسرة منظمة الصحة العالمية، حيث فقدنا أختنا العزيزة الدكتورة كاريسا إتيان، المديرة الإقليمية السابقة للأمريكتين، وزميلتنا ديما الحاج، التي قتلت في غزة مع جميع أفراد أسرتها: طفلها البالغ من العمر ستة أشهر وزوجها وشقيقاها.
لقد جاء عام 2023 ليذكرنا بالسبب في أهمية العمل الذي نقوم به، ولماذا يحتاج العالم إلى أن تكون منظمة الصحية العالمية متمتعة بالقوة والاستدامة والفعالية والكفاءة والتمكين. وهذا هو السبب في وجودنا هنا هذا الأسبوع.
وكما جرت عليه العادة، أمامكم جدول أعمال حافل يعكس النطاق الهائل لعمل منظمتنا. ومن أهم البنود المدرجة في جدول أعمالكم هذا الأسبوع مسوّدة برنامج العمل العام الرابع عشر. وإني لأتوجه بالشكر إلى الدول الأعضاء على مشاركتها في إعداد مسوّدة برنامج العمل العام الرابع عشر. لقد كان هدفنا ضمان الاستمرارية بين برنامجي العمل العامين الثالث عشر والرابع عشر، مع تضمين الدروس المستفادة من تقييم برنامج العمل العام الثالث عشر، والتعبير عن حقائق عالمنا الذي لا ينفك يتغير.
وتنعكس الأولويات الرئيسية الثلاث لمسوّدة برنامج العمل العام الرابع عشر، وهي تمتع السكان بمزيد من الصحة، والتغطية الصحية الشاملة، والتأهب والاستجابة للطوارئ، في الأولويات الثلاث الأولى من "الأولويات الخمس" التي تُشكِّل الهدف الشامل لمسوّدة برنامج العمل العام الرابع عشر، ألا وهي تعزيز صحة ورفاه جميع الناس وتوفيرهما لهم وحمايتهما في كل مكان من العالم. وإني لأتطلع إلى مناقشتنا اليوم لمسوّدة برنامج العمل العام الرابع عشر، ونحن نمضي قُدماً نحو وضع صيغتها النهائية، ونأمل في اعتمادها أثناء جمعية الصحة العالمية السابعة والسبعين.
وكما أفعل في كل عام، أود أن أغتنم بضع لحظات لأقدم لكم لمحة عن بعض الإنجازات الرئيسية التي تحققت في العام الماضي، مستنداً في ذلك إلى إطار الأولويات الخمس.
أولاً، تعزيز الصحة. وهذا يشمل عملنا المشترك لمعالجة الأسباب الجذرية للأمراض، في مناخنا المتغير، وفي الظروف التي يعيش الناس فيها ويعملون، وفي المنتجات التي يستهلكونها. فتعاطي التبغ آخذ في الانخفاض في 150 بلداً، وقد انخفض الآن عدد المدخنين على مستوى العالم بمقدار 19 مليون مدخن عما كان عليه قبل عامين. وفيما يتعلق بالدهون المتحولة، فُرض عليها حظر أو قيود في ستة بلدان في العام الماضي، وبدأ نفاذها في سبعة بلدان أخرى. ونقدم في كل عام الدعم إلى المزيد والمزيد من البلدان في معالجة هزال الأطفال والسمنة؛ وتشجيع الرضاعة الطبيعية؛ ورفع الضرائب على الكحول أو التبغ أو المشروبات السكرية؛ وتنظيم تسويق المنتجات غير الصحية للأطفال، بما فيها السجائر الإلكترونية؛ وتعزيز النشاط البدني؛ وجعل طرقنا أكثر أماناً.
وفيما يتعلق بتغيُّر المناخ، كانت الدورة الثامنة والعشرون لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لحظة فارقة، حيث خُصص للمرة الأولى يوم للصحة بفضل دولة الإمارات العربية المتحدة. ووقع 147 بلداً إعلان الإمارات بشأن المناخ والصحة الصادر عن الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف، وتعهد المانحون بتوفير أكثر من مليار دولار أمريكي لهذا الغرض، ووافقوا على الابتعاد عن الوقود الأحفوري، على سبيل الذكر لا الحصر. وقدمنا الدعم أيضاً إلى أكثر من 50 بلداً لبناء نُظُم صحية قادرة على تَحمُّل تغير المناخ ومراعية للمناخ. وقدمنا الدعم، مع شركائنا في المجموعة الرباعية، إلى العديد من البلدان لوضع خطط عمل تنتهج "الصحة الواحدة"، مدركين أن صحة البشر والحيوانات وبيئتنا مترابطة ارتباطاً وثيقاً.
وننتقل الآن إلى ثانية الأولويات الخمس، المتمثلة في توفير الصحة، من خلال دعم البلدان في مسيرتها نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة، استناداً إلى رعاية صحية أولية قوية. ويشمل هذا المجال عملنا المشترك بشأن تعزيز النُظُم الصحية وما تقدمه من خدمات لصحة الأم والطفل والأمراض السارية وغير السارية.
وعلى المستوى السياسي، كان عام 2023 سنة فارقة للتغطية الصحية الشاملة، مع انعقاد الاجتماع الرفيع المستوى الثاني بشأن التغطية الصحية الشاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي. وفي الفترة التي سبقت الاجتماع، نشرت المنظمة والبنك الدولي بيانات جديدة تظهر أن نصف سكان العالم لا يتمتعون بتغطية كاملة بالخدمات الصحية الأساسية، وأن ملياري شخص يواجهون ضائقة مالية بسبب الإنفاق الصحي من مالهم الخاص. وفي الإعلان السياسي، عقدت البلدان أكثر من 50 التزاماً بتوسيع نطاق إتاحة الخدمات الصحية الأساسية تدريجياً، وبتحسين الحماية المالية.
والواقع أن هذا هو ما تفعله المنظمة في جميع أنحاء العالم. فنحن ندعم120 بلداً، من خلال شراكة التغطية الصحية الشاملة، للمُضي قُدماً نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة. ولدعم البلدان في تعزيز الرعاية الأولية، انضممنا إلى اتحاد يتألف من مصارف التنمية لإطلاق منصة الاستثمار في الأثر الصحي بمبالغ قدرها 1,5 مليار يورو.
وطلب ما يقرب من 150 بلداً دعم المنظمة لتعزيز القوى العاملة في مجالي الصحة والرعاية التي تتألف غالبيتها العظمى من النساء. فعلى سبيل المثال، حصلت بنن على تمويل جديد وأعدت خططاً جديدة لتوظيف 4000 عامل صحي إضافي، بزيادة تكاد تصل إلى 25٪. والتزمت جنوب أفريقيا بإنشاء 000 97 فرصة عمل إضافية للعاملين الصحيين، لا سيما في المجتمعات المحرومة من الخدمات والمجتمعات الريفية. وأعددنا، لدعم الممرضات والقابلات، مجموعة من أدوات الرعاية الطارئة الأساسية ثبت أنها تحد من الوفيات بنسبة تصل إلى 43٪ في دراسة أجريت في مستشفيات نيبال وأوغندا وزامبيا.
وكان عام 2023 عاماً منتجاً بالنسبة لعمل المنظمة الداعم لإتاحة الأدوية والمنتجات الصحية الأخرى. فقمنا باختبار مسبق لصلاحية 136 دواءً ولقاحاً ووسيلة تشخيص ومنتجاً آخر؛ وأضفنا أدوية جديدة لأمراض التصلب المتعدد والسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية إلى قائمة الأدوية الأساسية؛ ونشرنا ثمانية إنذارات بشأن المنتجات الطبية المتدنية النوعية والمغشوشة. وفي ملديف، أدى نهج الاختبار الجديد الذي تتبعه المنظمة إلى تمكين السلطات الصحية من سرعة الكشف عن أدوية الأطفال الملوثة، مما أسفر عن إطلاق إنذار عالمي، وإجراء سحب أنقذ الأرواح في أربعة أقاليم.
ونواصل أيضاً دعم الدول الأعضاء في تعزيز نظمها التنظيمية. فاعترفنا بأن النظامين التنظيميين في تركيا والمملكة العربية السعودية قد بلغا مستويات عالية من النضج. وأضحت جمهورية كوريا وسنغافورة وسويسرا أول ثلاثة بلدان لديها سلطات تنظيمية مدرجة في قائمة المنظمة، مما يجعلها "جهات تنظيمية مرجعية" تستوفي المعايير والممارسات المعترف بها دولياً. ونواصل، تحت قيادة المنظمة، تعزيز نقل التكنولوجيا والتصنيع المحلي.
واستضفنا أيضاً أول قمة عالمية بشأن الطب التقليدي (الشعبي) في الهند لدعم الاستخدام المُسند بالبيّنات والمأمون والفعال والمستدام للطب التقليدي والتكميلي والتكاملي.
وكل هذا العمل الرامي إلى تعزيز النُظُم الصحية يدعم عملنا المبذول لإنقاذ الأرواح وتحسين نوعية الحياة في جميع مراحل العمر، وبخاصة للنساء والأطفال. وبعد ما تحقق من مكاسب هائلة في مجال وفيات الأمهات والأطفال في إطار الأهداف الإنمائية للألفية، لم يتحقق تقدُّم يُذكر منذ عام 2016.
ونواصل العمل مع الدول الأعضاء لتحديد ما تواجهه من عقبات ولتزويدها بالأدوات اللازمة للتغلب عليها. فنشرنا في العام الماضي خرائط طريق أو مبادئ توجيهية جديدة بشأن النزف التالي للوضع والرعاية أثناء المخاض وصحة المراهقين، وقدمنا الدعم إلى عشرات البلدان لتنفيذ هذه المبادئ التوجيهية. وكما تعلمون، فإن النزف التالي للوضع هو أحد العوامل الرئيسية القاتلة للأمهات أثناء الوضع. وفيما يتعلق بالمراحل الأخيرة من الحياة، قدمنا الدعم إلى 18 بلداً لتعزيز رعاية كبار السن، وشمل ذلك وضع مبادئ توجيهية جديدة بشأن آلام أسفل الظهر.
وفيما يتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية، قدمنا الدعم إلى 23 بلداً من البلدان ذات الأولوية لتسهيل إتاحة خدمات جيدة تُركِّز على الناجيات من العنف الجنسي. واعتمد 11 بلداً آخر في العام الماضي لقاح فيروس الورم الحليمي البشري المضاد لسرطان عنق الرحم.
وكان أحد أكبر الاضطرابات الناجمة عن جائحة كوفيد-19 هو برامج التمنيع الروتينية في العديد من البلدان، وقد أدى إلى اندلاع فاشيات الحصبة والخُناق وشلل الأطفال والحمى الصفراء.
وفي نيسان/ أبريل من العام الماضي، أطلقنا "حملة الاستدراك الواسعة" مع اليونيسف وتحالف غافي، تحالف اللقاحات، لدعم البلدان في وقف الفاشيات وإعادة تنفيذ برامج التمنيع على مستويات ما قبل الجائحة على الأقل.
وفي الوقت نفسه، أوصى فريق الخبراء الاستشاري الاستراتيجي المعني بالتمنيع في العام الماضي بلقاحات جديدة مضادة لحمى الضنك والتهاب السحايا، وبلقاح ثان مضاد لملاريا، هو اللقاح R21-Matrix M. وفي وجود لقاحين مضادين للملاريا ما سيساعد على سد الفجوة الهائلة بين الطلب والعرض، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إنقاذ عشرات الآلاف من أرواح الشباب، ولا سيما في أفريقيا. وفي أعقاب توصية المنظمة بلقاح الملاريا RTS,S في عام 2021 استناداً إلى تجارب ناجحة في غانا وكينيا وملاوي، بدأ اليوم في الكاميرون طرح اللقاح على نطاق واسع. ويعتزم 29 بلداً على الأقل اعتماد اللقاح، وتمت الموافقة بالفعل على حصول 20 بلداً على الدعم من تحالف غافي، وتخطط هذه البلدان لطرح اللقاح في هذا العام.
وفي العام الماضي أصدرنا أيضاً توصيات جديدة بشأن جيل جديد من الناموسيات المعالجة بمبيدات الحشرات. ومنحنا أذربيجان وبليز وطاجيكستان الإشهاد على خلوها من الملاريا، وأضفنا كابو فيردي إلى هذه القائمة منذ أسبوعين فقط.
وفيما يتعلق بالسل، أُتيح التشخيص والعلاج لأكثر من 7,5 ملايين شخص مصاب بالسل في عام 2022، وهو أكبر عدد منذ أن بدأنا الرصد قبل ما يقرب من 30 عاماً. وبالإضافة إلى ذلك، اتفق الاجتماع الرفيع المستوى الثاني للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن السل على غايات جديدة للقضاء على السل، وأطلقنا المجلس المعني بتسريع إتاحة لقاحات السل، لتيسير تطوير لقاحات السل الجديدة وترخيصها واستخدامها المنصف.
وفيما يتعلق بفيروس العوز المناعي البشري أصبح الآن أكثر من 75٪ من المصابين بهذا الفيروس على مستوى العالم يتلقون العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية، ويكاد جميع الأشخاص الذين تلقوا العلاج قد حققوا كبتا للحمل الفيروسي، مما يعني أنهم لا يمكنهم نقل العدوى لغيرهم. فها نحن نبدأ الآن نرى طريقاً يؤدي إلى تحقيق غاية أهداف التنمية المستدامة، المتمثلة في القضاء على وباء فيروس العوز المناعي البشري. وأصبحت أستراليا أول بلد يعلن أنه على وشك القضاء فعلياً على انتقال فيروس العوز المناعي البشري في سيدني الداخلية. وفي زمبابوي، أدى دمج الخدمات المتعلقة بفيروس العوز المناعي البشري والصحة الجنسية والإنجابية إلى زيادة عدد النساء اللاتي يخضعن لفحص هذا الفيروس والعدوى المنقولة جنسياً بمقدار سبعة أضعاف.
وفي الوقت نفسه، فيما يتعلق بالتهاب الكبد، أصبحت مصر أول بلد يبلغ مركز "المستوى الذهبي" على مسار القضاء على التهاب الكبد C، وهو ما يسجل علامة بارزة.
وفيما يتعلق بأمراض المناطق المدارية المهملة، تخلصت بنن والعراق ومالي من التراخوما، وتخلصت غانا من داء المثقبيات الأفريقي، وتخلصت جمهورية لاو الديمقراطية الشعبية وبنغلاديش من داء الفيلاريات اللمفي. كما أصبحت بنغلاديش أول بلد في العالم يتخلص من داء الليشمانيات الحشوي، وذلك بفضل التعاون بين العديد من الشركاء، بما في ذلك المنظمة والبرنامج الخاص للبحث والتدريب في مجال أمراض المناطق المدارية.
وفي الوقت نفسه، نواصل تكثيف جهودنا الرامية إلى القضاء على شلل الأطفال. ففي العام الماضي، تم الإبلاغ عن ست حالات إصابة بشلل الأطفال بسبب فيروس شلل الأطفال البري في باكستان وست حالات في أفغانستان، وهو ثاني أقل عدد من الحالات المبلّغ عنها في سنة تقويمية. وهدفنا هو وقف انتقال فيروس شلل الأطفال البري هذا العام، وآمل أن يتحقق ذلك. كما أننا ننشر لقاحاً جديداً لفيروس شلل الأطفال من النمط 2، للحد من مخاطر تفشي فيروس شلل الأطفال المشتق من اللقاح.
ولدينا أيضاً الكثير مما نفخر به في عملنا بشأن الأمراض غير السارية. فقد دعمنا في العام الماضي أكثر من 80 بلداً لدمج الخدمات المتعلقة بالأمراض غير السارية في نظمها الصحية. فعلى سبيل المثال، دعمنا في إثيوبيا تعزيز الفحص والتشخيص والعلاج في 85 مرفقاً صحياً في سبع مناطق.
وفيما يتعلق بارتفاع ضغط الدم، نفذت 10 بلدان جديدة حزمة HEARTS التقنية. وقدَّمت المبادرة العالمية لمكافحة سرطان الأطفال الدعم التقني والمالي في أكثر من 70 بلداً بالشراكة مع مستشفى سانت جود لبحوث الأطفال. ودعمنا تسعة بلدان للتوسيع في إتاحة خدمات الصحة النفسية لما يقرب من 20 مليون شخص إضافي. وأحرز ما لا يقل عن 45 بلداً تقدماً في تلبية الاحتياجات الصحية غير الملباة للمهاجرين واللاجئين، من بلغاريا وإلى كمبوديا وإلى الأردن.
وفي الوقت نفسه، نواصل دعم البلدان في الاستجابة لأزمة مقاومة مضادات الميكروبات. فتضاعف عدد البلدان التي أبلغت عن بيانات عن العدوى البكتيرية بأكثر من ثلاثة أضعاف في سبع سنوات، ووضع 11 بلداً إضافياً خطط عمل وطنية متعددة القطاعات بشأن مقاومة مضادات الميكروبات في العام الماضي.
وسيكون الاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام بشأن مقاومة مضادات الميكروبات فرصة مهمة أخرى لتأمين تعهدات ملموسة لهذا التهديد العالمي العاجل الذي يقتل ما لا يقل عن 1,3 مليون شخص كل عام.
وأنتقل الآن إلى ثالث الأولويات الخمس، ألا وهو حماية الصحة. كان عام 2023 عاماً مهماً في عملنا للتأهب للطوارئ الصحية والوقاية منها والاستجابة لها. فقد أعلنتُ في أيار/ مايو، بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف على تفشي كل من كوفيد-19 وجدري القردة، نهاية اعتبارهما من طوارئ الصحة العالمية، على الرغم من أن كليهما لا يزال يُشكِّل تهديداً عالمياً. وتلقى أكثر من ثلثي سكان العالم سلسلة أولية كاملة من لقاح كوفيد-19. واضطلع مرفق كوفاكس، الذي أغلق أبوابه في نهاية العام الماضي، بدور حيوي، حيث قدَّم ما يقرب من ملياري جرعة وأنقذ ما يقدر بنحو 2,7 مليون شخص في البلدان المنخفضة الدخل. ولا نزال نحث جميع الدول الأعضاء على الحفاظ على القدرات التي بنتها أثناء الجائحة وتعزيزها كجزء من التزامها بالتأهب للطوارئ في المستقبل.
وفي الوقت نفسه، حدثت أزمات أخرى كثيرة استرعت انتباهنا في العام الماضي. وبصورة إجمالية، استجابت المنظمة لعدد 65 طارئة مصنفة، من الزلازل في تركيا وسوريا، إلى النزاع وانعدام الأمن في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وهايتي، وميانمار، والسودان، وأوكرانيا، وبالطبع في الأرض الفلسطينية المحتلة، وبخاصة قطاع غزة.
ودعمنا بلداناً للحصول على لقاحات وعلاجات للاستجابة لفاشيات الكوليرا والخُناق والتهاب السحايا والحمى الصفراء. واضطلعت أفرقة الطوارئ الطبية بدور حيوي في استجابتنا لعدد 19 طارئة في 18 بلداً - وأكتفي بذلك بعرض القائمة لأنني لو حاولت شرح ما فعلناه في كل هذه الطوارئ في هذه البلدان لاستغرق الأمر اليوم كله. ولكنكم تعرفون على الأقل ما كنا نفعله من خلال تقارير مختلفة. وفي الأسبوع الماضي، أطلقت المنظمة نداءنا للطوارئ الصحية، مع طلب 1,5 مليار دولار أمريكي لدعم عملنا في الاستجابة للطوارئ هذا العام.
وفي حين أن عملنا في مجال الاستجابة للطوارئ غالباً ما يتصدر عناوين الصحف، فإن عملنا في مجال الوقاية من الطوارئ والتأهب لها يقل وضوحاً عن ذلك، وإن كان على القدر نفسه من الأهمية. ويوفر إطار المنظمة للتأهب والاستجابة للطوارئ الصحية والقدرة على الصمود أمامها خريطة طريق للحوكمة والنظم والأدوات والقوى العاملة والتمويل اللازم لتعزيز الأمن الصحي الوطني والإقليمي والعالمي.
ولدينا، كما تعلمون، العديد من المبادرات الجارية في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، بدأ صندوق مكافحة الجوائح عمله، وقدم جولته الأولى من المدفوعات بقيمة 338 مليون دولار أمريكي إلى 37 بلداً. ويجري الآن تنفيذ الجولة الثانية بتمويل قدره 500 مليون دولار أمريكي.
ونُحرز تقدماً أيضاً بشأن الآلية المؤقتة للتدابير الطبية المضادة، وفريق الاستجابة لطوارئ الصحة العالمية، والاستعراض الشامل للصحة والتأهب، والشبكة الدولية لترصُّد مسببات الأمراض، ونظام المجمع البيولوجي للمنظمة، ومركز نقل تكنولوجيا الرنا المرسال، ومركز منظمة الصحة العالمية لتحليل المعلومات عن الجوائح والأوبئة، ومبادرة التأهب للتهديدات الناشئة والقدرة على الصمود أمامها. ويوجد في الواقع أكثر من عشر مبادرات تستند إلى تجربتنا أثناء جائحة كوفيد-19. ولا يمكنني الخوض في التفاصيل بشرح كل هذه المبادرات، ولكني أعلم أننا عندما ننفذ كل هذه المبادرات سيصبح العالم على درجة أعلى من التأهب.
وعلى المستوى السياسي، اتفق قادة العالم في الاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الوقاية من الأوبئة والتأهب والتصدي لها على إعلان سياسي قوي، يشمل التزاماً باختتام المفاوضات الدائرة عن الاتفاق بشأن الجوائح وتعديلات اللوائح الصحية الدولية (2005) بحلول أيار/ مايو من هذا العام. ولكن من واجبي أن أقول إني أشعر بقلق بالغ من أن الدول الأعضاء قد لا تفي بذلك الالتزام. فالوقت ضيق جداً، وهناك عدة مسائل معلقة لا يزال يتعين حلها.
وأرى أن الإخفاق في التوصل إلى اتفاق بشأن الجوائح وتعديلات اللوائح الصحية الدولية (2005) سيُشكِّل فرصة ضائعة قد لا تغفرها لنا الأجيال المقبلة. والأمر يتطلب شجاعة، ويتطلب حلولاً توفيقية. ولن تتوصلوا إلى توافق في الآراء إذا ظل كل واحد منكم مستمسكاً بمواقفه. ولا مناص من أن يُقدِّم كل واحد منكم شيئاً ما، وإلا فلن يحصل أحد على أي شيء.
وإني لأحث جميع الدول الأعضاء على العمل على وجه السرعة مع تحديد الغرض من عملهم للتوصل إلى توافق في الآراء بشأن اتفاق قوي يُساعد على حماية أطفالنا وأحفادنا من الجوائح في المستقبل. وأود أن أغتنم هذه الفرصة لتوجيه الشكر إلى الرئيسين المشاركين وأعضاء هيئة المكتب على روحهم القيادية في هيئة التفاوض الحكومية الدولية لصياغة نص اتفاقية أو اتفاق أو صك دولي آخر للمنظمة بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها، والتفاوض بشأنه، والفريق العامل المعني بتعديلات اللوائح الصحية الدولية (2005).
أصحاب السعادة، أصحاب المعالي، الزملاء والأصدقاء الأعزاء، إن الهدف الشامل لمسوّدة برنامج العمل العام الرابع عشر يتمثل في تعزيز الصحة وتوفيرها وحمايتها. وتستمد هذه الأولويات الأساسية الثلاث الدعم من الأولويتين الرابعة والخامسة، وهما التمكين، والأداء من أجل الصحة.
أما تمكين الصحة، فيتعلق بتسخير قوة العلوم والبحوث والتكنولوجيات الرقمية والبيانات والاتصالات لدعم البلدان بأكبر قدر من الفعالية لإسراع الخطى نحو تحقيق غايات أهداف التنمية المستدامة.
وفي عام 2023، دعمنا 50 بلداً بنهج "التنفيذ من أجل إحداث الأثر"، وهو نهج مستمر ومنهجي وقائم على البيانات للتنفيذ وتحقيق النتائج. فعلى سبيل المثال، تستخدم مدغشقر هذا النهج للوقاية من داء الفيلاريات اللمفي. وبفضل اتباع نهج التنفيذ من أجل إحداث الأثر، باتت فييت نام تسير على الطريق الصحيح نحو خفض تعاطي التبغ بين الرجال من 44٪ الآن إلى 33٪ بحلول عام 2025.
وأصبح المركز العالمي للبيانات الصحية يتضمن الآن أكبر قواعد البيانات عن انعدام المساواة والوفيات، وموجزات البيانات القطرية المصممة وفقاً للغرض المتوخى. وقد قام أكثر من 120 بلداً حتى الآن بتنفيذ التنقيح الحادي عشر للتصنيف الدولي للأمراض (التصنيف-11)، الذي أصبح يتضمن الآن وحدة ثانية عن الطب التقليدي (الشعبي).
وكان عام 2023 أيضاً عاماً مهماً في عملنا لدعم البلدان في تسخير قوة التكنولوجيات الرقمية والذكاء الاصطناعي من أجل الصحة. فأطلقنا الشبكة العالمية للإشهاد الصحي الرقمي والمبادرة العالمية للصحة الرقمية، وأصدرنا إرشادات بشأن تنظيم الذكاء الاصطناعي لأغراض الصحة.
وقدَّم المجلس المعني باقتصاديات الصحة للجميع تقريره النهائي. وسيُفتتح حرم أكاديمية المنظمة في ليون في تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام، إيذانا ببدء عهد جديد – وهنا أشكر فرنسا على دعمها المستمر. وعندما ستعمل الأكاديمية بكامل طاقتها، ستغير قواعد اللعبة في مجال بناء القدرات، سواء بالنسبة للدول الأعضاء أو بالنسبة لموظفينا.
وأما الأولوية الخامسة والأخيرة، وهي الأداء من أجل الصحة، فتعني استمرار عملنا الرامي إلى بناء منظمة أقوى. ويستند ذلك إلى الركائز السبع للتحول الذي بدأناه قبل ست سنوات ونصف لتعزيز استراتيجيتنا ونموذجنا التشغيلي وعملياتنا وشراكاتنا وتمويلنا وقوانا العاملة وثقافتنا.
ونحن مستمرون في إحراز التقدُّم في كل مجال من هذه المجالات. فنحن بصدد طرح نظام جديد لإدارة موارد المؤسسة، هو نظام إدارة الأعمال الذي سيحل محل النظام الحالي. وتمكننا استراتيجيتنا الجديدة لسلسلة التوريد من تخزين الإمدادات مسبقاً للاستجابة للطوارئ بمزيد من الفعالية. فخفضنا وقت التوظيف بنسبة 40٪ في غضون أربع سنوات. ونقوم بتنفيذ نظام جديد للتعاقد مع الموظفين. ونقوم بتحسين إتاحة رعاية الصحة النفسية للموظفين. وحققنا المساواة الشاملة بين الجنسين ورفعنا المساواة في الرتب العليا. وأطلقنا مجلس الشباب التابع للمنظمة ولجنة المجتمع المدني التابعة للمنظمة، وقمنا بتحسين أسلوب تشاورنا مع الجهات الفاعلة غير الدول.
ونواصل بناء نهج جديد للتمويل يمتاز بالمزيد من الاستدامة والقدرة على التنبؤ. وأتوجه بالشكر إلى الدول الأعضاء على التقدم الكبير الذي أحرزوه بالفعل في تنفيذ توصيات الفريق العامل للدول الأعضاء المعني بالتمويل المستدام.
وتتمثل إحدى التوصيات الرئيسية للفريق العامل في فكرة عقد جولة للاستثمار، وقد أقرت جمعية الصحة الفكرة في العام الماضي، وهي معروضة عليكم للنظر فيها أثناء هذا الأسبوع. والهدف من جولة الاستثمار هو تمويل برنامج العمل العام الرابع عشر، وزيادة القدرة على التنبؤ بالتمويل ومرونته، والقضاء على نقص التمويل الذي كان مشكلة كبيرة في الماضي.
وأشكر جميع الدول الأعضاء على مشاركتها البناءة في جولة الاستثمار حتى الآن. وأتطلع إلى المناقشة التي سنجريها، آملاً في الحصول على موافقتكم. وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأشكر بيورن كوميل على رئاسته للفريق العامل المعني بالتمويل المستدام؛ فقد قُدمت التوصيات المتعلقة بالاشتراكات المقدَّرة وجولة الاستثمار تحت قيادته. ولذا، لك الشكر يا بيورن.
وبطبيعة الحال، نفهم جيداً أن الدول الأعضاء تتوقع عائداً من استثماراتها، في شكل منظمة تتسم بمزيد من الفعالية والكفاءة؛ منظمة تُحدث أثراً قابلاً للقياس. وهذا هو ما ينبغي لكم توقعه. ولا نزال ملتزمين بإدخال التغييرات التي طلبتموها من خلال فرقة العمل المرنة للدول الأعضاء المعنية بتعزيز الحوكمة الميزانية والبرمجية والتمويلية للمنظمة، والتي التزمنا بها من خلال خطة تنفيذ الإصلاح المقدَّمة من الأمانة.
ويشمل ذلك التزامنا بأن يكون عدم التسامح مطلقاً مع أي شكل من أشكال سوء السلوك الجنسي حقيقة واقعة. وقد قدمنا في جمهورية الكونغو الديمقراطية الدعم للضحايا لمدة سنة استناداً إلى معيار الأمم المتحدة، ولكننا ندرك أن ذلك قد لا يكون كافياً لبعض النساء، ولذلك فإننا نقدم الدعم على أساس كل حالة على حدة.
وتتمثل إحدى أولوياتي الرئيسية هذا العام في تعزيز مكاتبنا القطرية بطريقة لم يسبق لأحد أن فعلها من قبل. فأنشأنا منذ أكثر من عام بقليل الفريق المعني بالعمل من أجل تحقيق النتائج، الذي يتألف من ممثلين عن المنظمة من جميع الأقاليم الستة، لإعداد خطة لبلوغ ذلك الهدف.
وقد تم الآن دمج عملهم في خطة عمل من ست نقاط نحن بصدد تنفيذها. ولترسيخ حضور أساسي قابل للتنبؤ في كل مكتب قطري، أعطينا الأولوية للتعيين في 400 وظيفة في المكاتب القطرية. وخصصنا 200 مليون دولار أمريكي لتمويل هذه الوظائف. وأصدرنا أنا وخمسة مديرين إقليميين تفويضاً عالمياً مشتركاً بالسلطة لممثلي المنظمة من أجل تمكينهم من تقديم دعم أكثر مراعاةً لدولنا الأعضاء في الوقت المناسب؛ وذلك لتمكين رؤساء مكاتبنا القطرية.
وبدأت في العام الماضي سياسة التنقل الجغرافي على الصعيد العالمي وهي الآن في مرحلتها الطوعية، وقد اكتملت المرحلة الطوعية الأولى.
وسيكون عام 2024 عاماً حاسماً للصحة العالمية ولمنظمتنا. وهو عام الفرص. والفرصة متاحة أمامكم في هذا العام لتشكيل استراتيجية الصحة العالمية للسنوات الأربع القادمة ، في برنامج العمل العام الرابع عشر. والفرصة متاحة أمامكم في هذا العام لتشكيل مستقبل الطوارئ الصحية، من خلال الاتفاق المتعلق بالجوائح وتعديلات اللوائح الصحية الدولية (2005). والفرصة متاحة أمامكم في هذا العام لتشكيل مستقبل هذه المنظمة، من خلال جولة الاستثمار. وهذه ثلاث مهام كبيرة. وكما قلت للرئيسة، هذه فرصة تاريخية تماماً للتركيز على هذه القضايا الكبيرة جداً التي ستحدد شكل المنظمة لسنوات عديدة قادمة.
وإني لأحثكم على اغتنام هذه الفرص التي غالباً ما لا تأتي كثيراً. ونحن جميعاً هنا لأننا نريد أن نُحدث فرقاً، ولأننا نؤمن بمهمة منظمة الصحة العالمية ورؤيتها. وهذا العام هو فرصتنا لإحداث هذا الفرق، ولجعل العالم مكاناً يتحلى بمزيد من الصحة والأمان والعدل – وبصفة خاصة مكاناً ينعم بقدر أكبر من السلام.
أشكركم جميعاً على التزامكم المستمر ودعمكم المستمر. وسنظل أنا وزملائي ملتزمين بالعمل معكم لتعزيز صحة شعوب العالم وتوفيرها وحمايتها وتمكينها والأداء من أجلها. لقد كان دعمكم خلال السنوات الست الماضية في برنامج عمل التحول بالغ الأهمية، وأود أن أشكركم باسمي وبالنيابة عن جميع زملائي في المنظمة، ونحن على يقين من أنكم ستواصلون دعمكم من أجل إيجاد عالم أفضل.