معالي السيد كريس فيرني، نائب رئيس وزراء مالطة ورئيس جمعية الصحة العالمية السادسة والسبعين، أهنئكم على انتخابكم، وأتطلع إلى العمل معكم عن كثب. صاحب المعالي، أصحاب المعالي والسعادة الوزراء ورؤساء الوفود، الزملاء والأصدقاء الأعزاء،

كما تعلمون، لقد أعلنت قبل أقل بقليل من ثلاثة أسابيع نهاية كوفيد-19 كطارئة صحية عامة تثير قلقا دوليا. وكانت هذه لحظة ارتياح وتأمل.

وما يشجعنا هو أن نرى الحياة تعود إلى حالتها الطبيعة، أي أن نتمكّن من معانقة صديق، والسفر بحرية، والالتقاء معا. لقد كنا رهائن لهذا الفيروس لبعض الوقت، ولذا فإنه لأمر يبعث على الارتياح، كما قلت. ولكن في الوقت نفسه، لا يزال الكثيرون منا يحملون في قلوبهم أسى – أسى على أولئك الذين فقدناهم، وأسى على الخسائر الفادحة التي ألحقتها الجائحة بالأسر والمجتمعات المحلية والمجتمعات والاقتصادات، وأسى لأنه ما كان من الضروري أن تسير الأمور على ما سارت عليه. وأخص بالذكر أن الجائحة تسببت في خسائر فادحة لحقت بالصحة النفسية، بما في ذلك صحة العديد من موظفينا الذين عانوا، على غرار العديد من العاملين الصحيين في جميع أنحاء العالم، من شدة الإجهاد والإرهاق.

لقد وضعتنا الجائحة في مواجهة تحديات غير مسبوقة. وأظهرت أيضاً ما تستطيع منظمتنا القيام به.

فطوال فترة الجائحة، حشدت المنظمة الخبرات العالمية لتوفير الأدوات التقنية واللوجستية لدعمكم في جهودكم الرامية إلى إنقاذ الأرواح. ومن خلال مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19 (مسرّع الإتاحة)، قدمت المنظمة وشركاؤنا ما يقرب من ملياري جرعة من لقاح كوفيد-19، فضلاً عن الاختبارات والعلاجات والأكسجين ومعدات الحماية الشخصية وغيرها من الإمدادات الطبية.

ونهاية كوفيد-19 كطارئة صحية عالمية لا تعني نهاية كوفيد-19 كتهديد للصحة العالمية. ففي وقت سابق من هذا الشهر، نشرت الأمانة الطبعة الرابعة من الخطة الاستراتيجية العالمية لمنظمة الصحة العالمية للتأهب والاستجابة لكوفيد-19، التي تحدد الإجراءات الحاسمة التي يتعين أن تتخذها البلدان في خمسة مجالات أساسية.

ولايزال خطر ظهور متحور آخر يسبب طفرات جديدة من المرض والوفاة قائما. ولايزال خطر ظهور مُمرض آخر يُحتمل أن يكون أكثر فتكا قائما. والجوائح أبعد ما تكون عن التهديد الوحيد الذي نواجهه. وفي عالم يعج بالأزمات المتداخلة والمتقاربة، يجب إيجاد هيكل فعال للتأهب والاستجابة للطوارئ الصحية من أجل التصدي للطوارئ بجميع أنواعها.

ويهيئ الاجتماع الرفيع المستوى لهذا العام بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها فرصة قيمة أمام القادة لرسم مسار واضح للمضي قدما نحو ذلك المستقبل. فلا يمكننا التغافل عن هذه المشكلة. وإذا لم نقم بتنفيذ ما يتعين علينا إجراؤه من تغييرات، فمن الذي سيقوم بذلك؟ وإذا لم نجرها الآن، فمتى؟ عندما يأتي الجائحة التالية، ولسوف تأتي، يجب أن نكون مستعدين للاستجابة لها على نحو حاسم وجماعي ومنصف.

لقد كانت لجائحة كوفيد-19 آثار بالغة على غايات أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة، وكل من غايات المليارات الثلاثة. إذ أصبح الآن أكثر من مليار شخص آخر يتمتعون بمزيد من الصحة والعافية منذ عام 2018، لكن التقدم غير كاف لتحقيق الغايات ذات الصلة من أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.

وفيما يتعلق بالتغطية الصحية الشاملة، أحرزنا تقدما وسددنا الفجوات، وأصبح 477 مليون شخص آخر يتمتعون منذ عام 2018 باستحقاقات التغطية الصحية الشاملة. ولكن وفقا للاتجاهات الحالية، فإن أقل من نصف سكان العالم سيكونون قد شُملوا بهذه التغطية بحلول نهاية فترة أهداف التنمية المستدامة في عام 2030، مما يعني أنه يجب علينا على الأقل مضاعفة وتيرة ما نبذله من جهود.

وفيما يتعلق بالطوارئ، أظهرت جائحة كوفيد-19 أن عدد من يحتاجون إلى تحسين الحماية ليس مليار شخص فحسب، بل 8 مليارات شخص. فقد حادت بنا الجائحة عن مسارنا، لكنها أظهرت لنا لماذا يجب أن تظل أهداف التنمية المستدامة النبراس الذي يوجهنا، ولماذا يجب أن نسعى إلى تحقيقها بذات الإلحاح والتصميم اللذين واجهنا بهما الجائحة.

وعلى الرغم من الانتكاسات العديدة التي واجهناها، ففي جعبتنا أيضاً العديد من الإنجازات التي نفخر بها. إذ نشرت الأمانة الأسبوعَ الماضي تقريرها عن النتائج لعام 2022 على موقع المنظمة، الذي قدم كشفاً شاملاً ومفصلاً وتفاعلياً لعملنا، مع إيراد قصص سطرتها بلدان من جميع أنحاء العالم. وإني لأحثكم على قراءته. ويستحيل تقديم عرض منصف لكل المجموعة الضخمة من الإنجازات التي تحققت في عام 2022، لكن التقرير عن النتائج يسلط الضوء على الإنجازات الرئيسية التي ترمز إلى عملنا بكل ما فيه من تنوع.

وأود أن أسلط الضوء على عدد قليل منها، وفقاً لكل من "الأولويات الخمس" التي حددتُها أمام جمعية الصحة في العام الماضي: التعزيز، والتحقيق، والحماية، والتمكين، والأداء من أجل الصحة. أما المجموعة الأولى من النقاط البارزة، فتتعلق بالأولوية الأولى، وهي تعزيز الصحة عن طريق الوقاية من الأمراض ومعالجة أسبابها الجذرية. وتتمثل إحدى الطرق الرئيسية التي تتبعها البلدان للقيام بذلك في استخدام الضرائب الصحية لمكافحة الأمراض غير السارية.

ففيما بين عامي 2017 و2022، رفعت 133 دولة عضواً الضريبة الصحية على المنتجات الضارة بالصحة، بما فيها التبغ والمشروبات السكّرية، أو فرضت ضريبة صحية جديدة عليها. فعلى سبيل المثال، وبفضل ما نفذته المنظمة من أنشطة الدعوة والدعم التقني، رفعت تيمور- لشتي في العام الماضي ضريبتها على التبغ من 19 دولاراً أمريكياً على الكيلوغرام الواحد إلى 50 دولارا أمريكيا للكيلوغرام، ورفعتها بالفعل هذا العام مرة أخرى إلى 100 دولار أمريكي للكيلوغرام، وهذه هي واحدة من أكبر الزيادات في الضريبة على التبغ التي تحققت في أي مكان.

وفي أماكن أخرى، اعتمدت موريشيوس وفنلندا التغليف البسيط، وستطبقه عُمان هذا العام، وزادت تونس مساحة التحذيرات الصحية إلى 70٪ من الوجهين الأمامي والخلفي لعبوات التبغ. واعتمدت سيراليون بعضا من أكثر عمليات مكافحة التبغ صرامة في العالم، ووسعت أوكرانيا قوانينها المتعلقة بالأماكن الخالية من الدخان بغرض حظر استخدام السجائر الإلكترونية ومنتجات التبغ المسخّنة في الأماكن العامة، واعتمدت كازاخستان سياسة ضريبية جديدة على منتجات التبغ المسخَّنة. ونحيي كلا من هذه البلدان على ما فعلته.

ونرى أيضاً تقدماً مشجعاً صوب التخلص من الدهون المتحوّلة المنتجة صناعياً في إمدادات الأغذية العالمية. ومنذ أن بدأنا تنفيذ مبادرة REPLACE في عام 2018، شاهدنا زيادة مقدارها ستة أضعاف في عدد الأشخاص المحميين بالسياسات التي أوصت بها المنظمة بشأن استخدام الدهون المتحوِّلة المُنتَجَة صناعياً، من 550 مليون شخص إلى أكثر من 3,7 مليارات شخص في أربع أعوام فقط. وخلال الأشهر الستة الماضية وحدها، نفذت بنغلاديش ونيجيريا والإمارات العربية المتحدة السياسات المناهضة للدهون المتحولة، وتستعد كل من الأرجنتين ومصر والمكسيك وباراغواي والفلبين وأوكرانيا لاعتماد سياساتها الخاصة في العامين المقبلين.

وأحرزت أيضاً بلدان عديدة تقدما مثيرا للإعجاب في الحد من تناول الملح، وهو عامل رئيسي من عوامل الخطر المسببة لأمراض القلب والأوعية الدموية. فعلى سبيل المثال، على مدى السنوات العشر الماضية، خفضت سري لانكا متوسط استهلاك الملح للفرد بنسبة تقترب من 20٪، بدعم من مكتب المنظمة القطري.

وفيما يتعلق بتغير المناخ، أطلقنا خلال الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ التحالف من أجل العمل على إحداث التحوُّل في المناخ والصحة، الذي يدعم 65 بلداً في بناء نُظُم صحية مستدامة وقادرة على الصمود أمام تغير المناخ. فعلى سبيل المثال، بدأت غينيا، بدعم من المنظمة، تقييم الانبعاثات الناجمة عن قطاعها الصحي، وهي بصدد وضع خطة لخفضها.

وبالإضافة إلى كل هذا العمل، نواصل دعم البلدان لبناء قوام سكاني يتمتع بمزيد من الصحة من خلال زيادة النشاط البدني، وتحسين السلامة على الطرق، وتعزيز التمتع بالصحة في مرحلة الشيخوخة، وما هو أكثر من ذلك بكثير.

وننتقل الآن إلى المجموعة الثانية من النقاط البارزة، وهي تتعلق بالأولوية الثانية، أي توفير الخدمات الصحية، من خلال إعادة توجيه النُظُم الصحية نحو الرعاية الصحية الأولية، باعتبارها أساس التغطية الصحية الشاملة.

لقد كان الاجتماع الرفيع المستوى بشأن التغطية الصحية الشاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2019 التزاما تاريخيا من جانب قادة العالم بتحقيق رؤية توفير الصحة للجميع. ولم نكن نعلم آنذاك أن كوفيد-19 كان قاب قوسين أو أدنى. وعلى هذا فإن الاجتماع الثاني الرفيع المستوى بشأن التغطية الصحية الشاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام يمثل فرصة حيوية لإعادة تركيز الاهتمام السياسي والاستثمارات المالية على تسريع وتيرة التقدم.

فالرعاية الصحية الأولية القوية بالغة الحيوية لتقديم الخدمات المنقذة للحياة لفائدة صحة الأم والطفل، بما في ذلك التمنيع الروتيني. وفيما بين عامي 2019 و2021، لم يتلق ما يقدر بنحو 67 مليون طفل لقاحا أساسيا واحدا على الأقل، بما في ذلك 48 مليون طفل لم يتلقوا أي لقاح. واستجابة لذلك، أطلقت المنظمة وشركاؤها مبادرة "اللحاق الكبير بالركب"، وهي جهد عالمي يهدف إلى رفع مستويات التطعيم بين الأطفال إلى مستويات ما قبل الجائحة على الأقل بحلول نهاية هذا العام، وحماية أولئك الذين لم يتلقوا التطعيمات.

وعلى الرغم من الانتكاسات الناجمة عن الجائحة، واصلت بلدان عديدة إحراز تقدم في مجال صحة الأم والطفل. فقد حققت كل من جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية وإندونيسيا وملديف وسري لانكا وتايلند غايات أهداف التنمية المستدامة في مجال الحد من وفيات المواليد ووفيات الأطفال دون سن الخامسة، كما حققت البلدان الخمسة نفسها، بالإضافة إلى بوتان، الغاية المحددة لعام 2030 في مجال الإملاص.

ومن دواعي فخرنا أيضاً أن نلاحظ التقدم المثير للإعجاب الذي أحرزته البلدان في تعزيز الرضاعة الطبيعية وحمايتها ودعمها. ففي عام 2022، كان 48٪ من الأطفال دون سن 6 أشهر يرضعون رضاعة طبيعية حصرية، مقتربين بذلك من تحقيق الغاية البالغة 50٪ التي حددتها جمعية الصحة.

ونواصل دعم البحوث الرامية إلى تحسين الرعاية المقدمة للحوامل. وقد استعرضت المنظمة في العام الماضي البيِّنات المستخلصة من تجارب أُجريَت في 20 بلداً، وأظهرت لأول مرة أن رعاية الأم لمولودها مباشرةً بتلامس بشرتيهما، أو ما يُعرَف برعاية الأم لطفلها على طريقة الكنغر، يمكن أن تنقذ ما يقرب من ثلث الأطفال الخُدَّج. وأظهرت دراسة قادتها المنظمة أن تنفيذ مجموعة من التدخلات في الوقت نفسه، بدلاً من تنفيذها على التوالي، مكّن من الحد من نزيف ما بعد الولادة الحاد بنسبة 60٪، وتقليل فرصة الوفاة.

وتعرض خلاصة المنظمة الوافية الجديدة المعنونة "تعزيز صحة اللاجئين والمهاجرين: تجارب من جميع أنحاء العالم" عشرات الأمثلة القطرية من 44 دولة عضوا تظهر تقدما حقيقيا في تلبية الاحتياجات اللاجئين الصحية غير الملباة. ومن بين الأولويات، على المدى البعيد، تعميم رعاية اللاجئين والمهاجرين في الخطط الوطنية الأوسع نطاقاً، بدعم من شراكات داخل البلدان وعلى الصعيد الدولي.

ومن أهم الاستثمارات في الرعاية الصحية الأولية والتغطية الصحية الشاملة الاستثمار في العاملين الصحيين. فقبل خمس سنوات، توقعت المنظمة عجزا قدره 18 مليون عامل صحي على مستوى العالم بحلول عام 2030. وانخفض هذا العجز المتوقع الآن إلى 10 ملايين، لكن الإقليم الأفريقي وإقليم شرق المتوسط يعانيان من حصة متزايدة من العجز.

وإذا أردنا أن نقترب من تحقيق الغاية المتمثلة في تحقيق التغطية الصحية الشاملة بحلول عام 2030 من أهداف التنمية المستدامة، فعلينا سد هذه الفجوة من خلال دعم جميع البلدان لبناء القوى العاملة الصحية التي تحتاج إليها. وليس على كل بلد أن يقوم بهذه المهمة منفرداً؛ بل يجب أن تقوم بها البلدان معاً. وندعو جميع البلدان إلى احترام المدونة العالمية لقواعد الممارسة بشأن توظيف العاملين الصحيين على المستوى الدولي، ولاسيما حماية البلدان الـ55 المدرجة في قائمة الدعم والضمانات التي تم تحديثها مؤخراً في مواجهة التوظيف الدولي الذي يستنزف تلك البلدان.

ونجتهد في العمل أيضاً لدعم البلدان في تقديم التدريب طوال الحياة من أجل التحسين المستمر لكفاءات العاملين الصحيين وجودة الرعاية. وقد أطلقنا في الشهر الماضي حملة عالمية 25× 25×25 التي تهدف إلى تقديم تدريب أساسي في مجال الرعاية الطارئة إلى 25% من الممرضات والقابلات من 25 بلداً بحلول عام 2025.

ونواصل، بفضل الدعم القوي المقدم من فرنسا، تحقيق الأهداف المرحلية المتعلقة بإنشاء أكاديمية منظمة الصحة العالمية، حيث من المقرر أن يكتمل مبنانا الجديد في غضون سبعة أشهر، ومن المقرر إطلاق أول برنامج تعليمي في وقت لاحق من هذا العام. وسيكون لذلك إسهام كبير في بناء القدرات القطرية.

ومن أهم عناصر التغطية الصحية الشاملة الأخرى إتاحة المنتجات الطبية الأساسية، وقد شهد عام 2022 اعتماد وطرح عدة أدوات جديدة مهمة. ففيما يتعلق بالسل، أطلقنا مبادئ توجيهية جديدة للمنظمة توصي بأول المقررات العلاجية الفموية للسل المقاوم للأدوية المتعددة، التي تخفض زمن العلاج من 18 شهراً إلى 6 أشهر. وحتى الآن، بدأ 109 بلدان في استخدام هذه المقررات الجديدة، استنادا إلى مبادئ المنظمة التوجيهية.

ولكن إدراكاً منا بأنه لا يمكننا القضاء على السل إلا بلقاحات فعالة، أنشأنا أيضاً في وقت سابق من هذا العام مجلسا على المستوى الوزاري لتسريع إتاحة لقاحات السل، من أجل طرح لقاحات جديدة في السوق في أسرع وقت ممكن. إن الإرادة تصنع المعجزات. وقد تم ذلك بشأن كوفيد-19؛ ويمكن القيام به بشأن مرض السل.

وإذ نقترب من الاجتماع الرفيع المستوى بشأن السل في الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام، فإننا نطلب من القادة الالتزام بغايات ملموسة على مدى السنوات الخمس المقبلة بشأن التشخيص والعلاج وتطوير اللقاحات والحماية الاجتماعية والتمويل والبحوث والابتكار.

ونشرنا أيضاً في العام الماضي مبادئ توجيهية جديدة بشأن استخدام الأدوية الطويلة المفعول التي تُعطَى عن طريق الحقن للوقاية من فيروس العوز المناعي البشري، وهي خطوة قد تُغيِّر قواعد اللعبة للأشخاص الأكثر عرضة للخطر. وحتى الآن، واستناداً إلى مبادئ المنظمة التوجيهية، حاز استخدام الأدوية الطويلة المفعول التي تُعطى عن طريق الحقن على موافقة ستة بلدان، هي أستراليا وبوتسوانا وملاوي وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة وزمبابوي، ويجري النظر في الموافقة عليها في 12 بلدا آخر، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي. 

وبعد توصية المنظمة باستخدام لقاح الملاريا RTS,S على نطاق واسع في عام 2021، تلقى أكثر من 1,5 مليون طفل اللقاح حتى الآن في غانا وكينيا وملاوي. ومن بين أولئك الذين تم تطعيمهم، نشهد انخفاضاً بنسبة 30٪ في الإصابة بالملاريا الوخيمة، وهبوطاً بنسبة 10٪ في وفيات الأطفال. وتشير تقديراتنا إلى أنه يجري منع وفاة واحدة لكل 200 طفل يجري تطعيمهم. وبعبارة بسيطة، يغير هذا اللقاح مسار الملاريا، وهذا يغمرني بالسعادة، بصفتي أخصائيا في علم الملاريا. ويخطط ما لا يقل عن 28 بلدا آخر في أفريقيا لاعتماده، ابتداء من هذا العام. وهناك لقاح ثان قيد الاستعراض من قبل المنظمة، وإذا أوصي باستخدامه، فسيمكنه المساعدة في سد الفجوة بين الطلب والعرض، وخفض التكاليف، فتصبح إتاحته أيسر من إتاحة اللقاح الذي لدينا.

وكما قلت بالأمس، تعد اللقاحات من بين أقوى الابتكارات في التاريخ. فقد قضت اللقاحات على الجدري، ودفعت شلل الأطفال إلى حافة الاستئصال، وسيطرت على العديد من الأمراض الأخرى. واللقاحات تجعل حلم القضاء على سرطان عنق الرحم في المتناول. فمنذ النداء إلى العمل الذي أطلقته المنظمة من أجل القضاء على سرطان عنق الرحم في عام 2018، اعتمد ما يقرب من 50 بلدا آخر لقاح فيروس الورم الحليمي البشري في برامجها الوطنية الخاصة بالتمنيع، بما في ذلك 41 بلدا من بلدان الشريحة الدنيا من فئة الدخل المتوسط. ونواصل حث جميع البلدان على توسيع نطاق الخدمات لبلوغ الغايات 90-70-90 بحلول عام 2030.

وحتى في الوقت الذي نعمل فيه على توسيع نطاق إتاحة الأدوية واللقاحات الأساسية في جميع أنحاء العالم، فإننا نواصل أيضاً عملنا لحماية الأدوية الثمينة من خطر مقاومة مضادات الميكروبات. وقد اجتمع وزراء الصحة والزراعة من جميع أنحاء العالم للمرة الأولى في عمان في العام الماضي للاتفاق على غاية للحد من استخدام مضادات الميكروبات في النظام الزراعي والغذائي بنسبة 30٪ بحلول عام 2030.

وسيكون الاجتماع الرفيع المستوى بشأن مقاومة مضادات الميكروبات المزمع عقده في العام المقبل حاسما لتعبئة الالتزام السياسي والمالي بتحقيق تلك الغايات وغيرها. وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأشكر رئيسة وزراء بربادوس على قيادتها لمجموعة القيادة العالمية بشأن مقاومة مضادات الميكروبات، وكذلك نائب رئيس وزراء مالطة كريس فيرن.

وأخيرا، وكما سبق أن ذكرت، كشفت الجائحة عن العبء الهائل للصحة النفسية. وقد دعمت مبادرة المنظمة الخاصة بشأن الصحة النفسية تسعة بلدان لزيادة إتاحة خدمات الصحة النفسية لأكثر من 5,2 ملايين شخص لم يسبق لهم أن تمكنوا من الحصول عليها.

وتتعلق المجموعة الثالثة من النقاط البارزة بالأولوية الثالثة، وهي حماية الصحة من خلال تعزيز الهيكل العالمي للتأهب والاستجابة للطوارئ الصحية. وبالإضافة إلى كوفيد-19 وجدري القردة، استجابت المنظمة في العام الماضي لـ70 طارئة صحية مصنفة: من الفيضانات في باكستان، إلى الإيبولا في أوغندا، والحرب في أوكرانيا، وفاشيات الكوليرا في أكثر من 30 بلدا، والطوارئ المعقدة في القرن الأفريقي الكبير وشمال إثيوبيا ومنطقة الساحل.

وكان الصندوق الاحتياطي للطوارئ أحد العوامل التمكينية الحاسمة لاستجابتنا، وقد أنشئ في أعقاب تفشي مرض فيروس الإيبولا في غرب أفريقيا في عامي 2014 و2015. وفي العام الماضي، أفرج الصندوق الاحتياطي عما يقرب من 90 مليون دولار أمريكي في 24 ساعة فقط لدعم الاستجابة السريعة للطوارئ.

وقد خصصنا بالفعل هذا العام أكثر من 37 مليون دولار أمريكي لتمويل استجابتنا للزلازل في الجمهورية العربية السورية وتركيا والصراع في السودان وغيرها. وقام مركز إمداداتنا اللوجستية العالمي في دبي بالإمارات العربية المتحدة بمعالجة ما يقرب من 600 شحنة توجهت إلى 90 دولة، وأود أن أغتنم هذه الفرصة لأشكر دولة الإمارات العربية المتحدة على دعمها، بادئاً بصاحب السمو رئيس الدولة. وأطلقنا في العام الماضي أول نداء طارئ موحَّد للمنظمة بشأن الصحة العالمية، وأطلقنا في كانون الثاني/ يناير نداء هذا العام لتوفير 5‚2 مليار دولار أمريكي.

ومثلما نواصل الاستجابة لحالات الطوارئ في جميع أنحاء العالم، فإننا نواصل العمل مع الدول الأعضاء والشركاء لتعزيز الهيكل العالمي للتأهب والاستجابة للطوارئ الصحية. ومن الإنجازات الرئيسية التي تحققت في العام الماضي في هذا الصدد إنشاء صندوق مواجهة الجوائح في تشرين الثاني/ نوفمبر في البنك الدولي، بقيادة تقنية من المنظمة. وتبلغ ميزانية الصندوق الأولية 1,6 مليار دولار أمريكي، وقد وافق بالفعل على تخصيص 300 مليون دولار أمريكي للجولة الأولى من التمويل من أجل دعم التمويل التحفيزي وتمويل سد الثغرات للتأهب والاستجابة للجوائح في جميع أنحاء العالم.

وصندوق مواجهة الجوائح هو مجرد واحدة من المبادرات العديدة التي تنفذها المنظمة والدول الأعضاء لجعل عالمنا أكثر أمانا في مواجهة الطوارئ الصحية: فمن أجل تعزيز المساءلة، يوجد الاستعراض الشامل للصحة والتأهب؛ ومن أجل تعزيز الترصد، يوجد مركز منظمة الصحة العالمية لتحليل المعلومات عن الجوائح والأوبئة، والشبكة الدولية لترصّد مسببات الأمراض التي دُشنت حديثا؛ ومن أجل قوة عاملة معززة للاستجابة للطوارئ، يوجد فريق الاستجابة لطوارئ الصحة العالمية، الذي دُشن لتوه الليلة الماضية مع صديقي العزيز الوزير لوترباخ وكريس إلياس من مؤسسة غيتس؛ ومن أجل تعزيز تبادل العينات البيولوجية، يوجد نظام المجمع البيولوجي للمنظمة (BioHub)؛ ومن أجل تعزيز الرصد، يوجد المجلس العالمي لرصد التأهب؛ ومن أجل تعزيز الحوكمة، توجد التعديلات على اللوائح الصحية الدولية (2005)؛ ومن أجل تعزيز التعاون الدولي، يوجد اتفاق مكافحة الجوائح، وهو التزام أمام الأجيال القادمة بأننا لن نعود إلى الدورة القديمة من الذعر والإهمال التي تركت عالمنا عرضة للخطر، بل سنمضي قدما بالتزام مشترك لمواجهة التهديدات المشتركة باستجابة مشتركة.

ولهذا السبب نقول إن مكافحة الجوائح التزام أمام الأجيال القادمة: من المهم أن يعقد هذا الجيل الالتزام لأن هذا الجيل شهد قدر البشاعة التي يمكن أن يكون عليها فيروس صغير.

وتعني نهاية كوفيد-19 وجدري القردة كاثنين من طوارئ الصحة العامة التي تثير قلقاً دولياً أن شلل الأطفال لا يزال طارئة الصحة العالمية الرسمية الوحيدة. وبعد تسجيل أدنى مستوى من حالات الإصابة بشلل الأطفال على الإطلاق، بلغ 5 حالات بسبب فيروس شلل الأطفال البري في عام 2021، شهدنا زيادة في العام الماضي، مع ظهور 20 حالة في باكستان وحالتين في أفغانستان وثماني حالات في موزامبيق. وحتى الوقت الراهن من هذا العام، تم الإبلاغ عن ثلاث حالات لشلل أطفال بسبب فيروس شلل الأطفال البري، بما في ذلك حالة واحدة في باكستان واثنتان في أفغانستان خلال الأسبوع الماضي وحده.

ولا تزال منظمة الصحة العالمية وشركاؤها ملتزمين التزاما راسخا بإنهاء مهمة جعل شلل الأطفال تاريخاً ولّى. ففي العام الماضي، حصل 3 ملايين طفل، كان الوصول إليهم متعذراً قبل ذلك في أفغانستان، على لقاحات شلل الأطفال لأول مرة. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، تعهد المانحون بتقديم 2,6 مليار دولار لدعم الدفع إلى القضاء على المرض.

وفي الوقت نفسه، وكجزء من الموارد المخصصة للانتقال في مجال شلل الأطفال، دمج أكثر من 50 بلداً أصول شلل الأطفال لدعم جهود التمنيع، واكتشاف المرض، والاستجابة للطوارئ. ويجب أن نتأكد من أن مصير الاستثمارات الضخمة في استئصال شلل الأطفال لن يكون الفناء مع زوال شلل الأطفال، بل يجب استخدام هذه الاستثمارات في بناء النظم الصحية من أجل تقديم الخدمات التي تحتاج إليها هذه المجتمعات بشدة. ففي نهاية المطاف، لا نكون قد قدمنا مساعدة حقيقية للطفل إذا قمنا بحمايته من شلل الأطفال مع تركه يموت بسبب الحصبة.

وتتعلق المجموعة الرابعة من النقاط البارزة بالالتزام الرابع، وهو تمكين الصحة، من خلال تسخير قوة العلوم والبحوث والابتكار والبيانات والشراكات لتحقيق التأثير.

وخير مثال على ذلك هو مركز نقل تكنولوجيا الرنا المرسال في جنوب أفريقيا، باعتباره جزءاً من التزامنا بتعزيز الإنتاج المحلي وتعزيز التأهب والاستجابة للجوائح على الصعيد العالمي. وقد زرت مركز الرنا المرسال في عام 2021، بعد وقت قصير من إنشائه، وأتيحت لي فرصة العودة إليه لتدشينه رسمياً في الشهر الماضي. وأقول إن التقدم المحرز ملحوظ. وقد بدأ المركز الآن في نقل التكنولوجيا إلى المصنعين في 15 بلدا، يدعمه في ذلك مركز التدريب على التصنيع الحيوي في جمهورية كوريا، الذي درب 300 موظف في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ونرى أن برنامج نقل تكنولوجيا الرنا المرسال واعد جداً، لا فيما يتعلّق باللقاحات المضادة لكوفيد-19 فحسب، بل بمكافحة أمراض أخرى أيضاً، منها فيروس العوز المناعي البشري والسل والملاريا وغيرها.

واللقاحات أدوات قوية، وكذلك هي البيانات. ومن الأمور الأساسية لجهودنا الرامية إلى تتبع التقدم المحرز صوب تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة عملنا الرامي إلى تعزيز نظم المعلومات الصحية في البلدان، وتوليد وتحليل بيانات موثوقة لإثراء أفضل السياسات والبرامج الصحية.

وقد كان أحد المنتجات الرئيسية المستمدة من بيانات العام الماضي هو تقديرنا للوفيات الزائدة الناجمة عن كوفيد-19. واستنادا إلى المشاورات التي جرت مع الدول الأعضاء، والعمل مع الشركاء على نطاق الأمم المتحدة والعلماء في جميع أنحاء العالم، أشارت تقديراتنا إلى أن 14,9 مليون حالة وفاة زائدة حدثت في عامي 2020 و2021. وقد فرغنا في العام الماضي من إعداد النسخة التجريبية من المركز العالمي للبيانات الصحية الذي يوفر مصدراً واحداً لنشر البيانات الصحية، وهذا للمرة الأولى في تاريخنا. وخلال هذه الجمعية سنطلق نظام DataDot، وهو البوابة المتوجهة نحو الجمهور والتابعة للمركز العالمي للبيانات الصحية.

وتتعلق المجموعة الأخيرة من النقاط البارزة بالالتزام الخامس، وهو الأداء في مجال الصحة، من خلال بناء منظمة أقوى وممولة تمويلاً مستداماً. لقد كان قراركم في العام الماضي بتحويل نموذج تمويل المنظمة علامة بارزة نحو تعزيز المنظمة وتمكينها من أداء دورها بوصفها السلطة الرائدة والموجّهة في مجال الصحة العالمية.

فلكم جزيل الشكر على هذا القرار التاريخي بحق، الذي سيحقق عائدا ضخما في مجال إنقاذ الأرواح. ولقد طلبتم في المقابل من الأمانة تنفيذ إصلاحات بشأن العمليات الخاصة بالميزانية والبرمجة والتمويل والحوكمة والمساءلة. وأعددنا من خلال العمل معكم خطة التنفيذ المقدمة من الأمانة، التي تضمنت 96 إجراء أقرها المجلس التنفيذي في كانون الثاني/ يناير. ونفذنا حتى الآن 42 إجراء، ولا يزال 54 إجراء قيد التنفيذ، وأؤكد لكم التزامي بأن أكون أكثر حزما في تنفيذ الإجراءات المتبقية.

ونواصل أيضاً جهودنا الرامية إلى تغيير الطريقة التي تمنع بها هذه المنظمة سوء السلوك الجنسي وتتصدى له، وإلى تحقيق المساواة بين الجنسين. وقد حققنا، لأول مرة في تاريخ المنظمة، التكافؤ العام بين الجنسين في صفوف الموظفين والموظفات في جميع أنواع التعيين وفئات الوظائف.

وفي نهاية العام الماضي، عقدنا اجتماعا عالميا معنيا بالإدارة شارك فيه جميع ممثلي بلداننا ومديرينا الإقليميين وقيادة المقر الرئيسي. وكانت الحصيلة الرئيسية إنشاء فريق معني بنتائج العمل، بقيادة ممثلين قُطريين، وضع خطة طموحة مدتها 100 يوم تتضمن 100 إجراء في سبعة مجالات حاسمة، بما في ذلك الحضور القطري الأساسي، وتفويض السلطة، والموارد المالية والبشرية الكافية، بوسائل منها التنقل.

ولدعم هذه الجهود، استقطعتُ 100 مليون دولار من ميزانيتنا لتخصيصها للمكاتب القطرية. ولكننا نتطلع، حتى نفي بهذا الالتزام، إلى موافقة الدول الأعضاء على زيادة الاشتراكات المقدرة بنسبة 20٪ أثناء جمعية الصحة هذه.

إن أمانتكم تنفذ ما طلبتم من تغييرات. ونحن نطلب منكم الآن الوفاء بالتزامكم بزيادة الاشتراكات المقدّرة، لتمكيننا من تنفيذ البرمجة الطويلة الأجل والتي يمكن التنبؤ بها في البلدان التي ستحقق النتائج التي نريد جميعا أن نراها.

إن العديد من زملائي سيصابون بخيبة أمل لأنني لم أتمكن من الحديث عن مجالات عملهم. والنقاط البارزة التي عرضتها عليكم، على الرغم من كونها واسعة النطاق، إنما تمسّ قشور كل ما حققناه في جميع أنحاء العالم في العام الماضي أو كل ما نقوم به.

ويتصدر بعضها عناوين الصحف؛ ولم يُذكر معظمها فيها. وبعضها يجذب انتباه الجهات المانحة؛ وبعضها لا يجذبه. ولكن منظمتكم تعمل بوسائل عديدة وفي أماكن عديدة، على التعزيز، والتحقيق، والحماية، والتمكين، والأداء من أجل الصحة، أي على الأولويات الخمس.

وأود أن أختتم خطابي بثلاثة طلبات: أولاً، أحث كل دولة عضو على العمل مع الأمانة لتحديد وسائل ملموسة لتسريع وتيرة التقدم في تحقيق غايات المليارات الثلاثة وأهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة.

وثانياً، أحث كل دولة عضو على المشاركة البناءة والعاجلة في المفاوضات المتعلقة باتفاق مواجهة الجوائح واللوائح الصحية الدولية، حتى لا يضطر العالم مرة أخرى إلى مواجهة الدمار الذي خلفته جائحة مثل كوفيد-19.

وثالثاً، أطلب منكم تأييد الزيادة في الاشتراكات المقدّرة، فضلاً عن التخطيط لجولة استثمارية في عام 2024.

وإذ نحتفل بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس المنظمة، دعونا نلتزم ببذل المزيد من الجهد معاً لتعزيز الصحة، والحفاظ على سلامة العالم، وخدمة الضعفاء. شكراً جزيلاً لكم.