آن الأوان لوقف ممارسات تسويق مستحضرات الحليب الصناعي التي تهدد أطفالنا

بقلم هيلين كلارك والدكتور تيدروس أدحانوم غيبريسوس

14 آذار/مارس 2022

نواجه الفشل كمجتمعات في حماية أطفالنا وأسرنا من تسويق المنتجات التي تضرّ بصحتهم ونمائهم. ومن أبشع الأمثلة على ذلك الترويج الشرس لمستحضرات الحليب التجارية لأطفالنا الرضّع والصغار.  

فأثر تسويق الحليب الصناعي يختلف عن أثر تسويق اللوازم اليومية كالشامبو أو الأحذية أو الثلاجات، إذ تؤدي أساليب التسويق الخبيثة التي تُستخدم للترويج للحليب الصناعي إلى فرط الاستهلاك وتثني عن الرضاعة الطبيعية وتقوض ثقة الأمهات بأنفسهن وتستغل فطرة الوالدين في البحث عما هو أفضل لأطفالهم.  

إن تسويق الحليب الصناعي يمثل واحداً من أهم المخاطر المسكوت عنها على صحة الرضّع والأطفال. ففي حين سجل معدّل الرضاعة الطبيعية الخالصة للرضّع البالغين من العمر 6 أشهر فما دون ارتفاعاً طفيفاً على مدى العقدين الماضيين، فإن مبيعات الحليب الصناعي ارتفعت بمعدل الضعف تقريباً. والجدير بالذكر أن الرضاعة الطبيعية من شأنها الوقاية من قرابة 000 800 وفاة للأطفال دون سن الخامسة و000 20 وفاة بسبب سرطان الثدي بين الأمهات سنوياً.[1]  

ولهذه المسألة جذور عميقة. ففي مطلع السبعينيات، استرعت اهتمام العالم الممارسات الترويجية لصناعة طعام الرضّع في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بما لها من آثار صحية سلبية بسبب استعمال المياه غير المأمونة والتركيبات المخففة للغاية. 

وفي أعقاب القضايا القانونية والتحقيقات الحكومية، إلى جانب الانحدار العام في معدلات الرضاعة الطبيعية عالمياً، دعت جمعية الصحة العالمية البلدان إلى تنظيم هذ الأنشطة الترويجية، واعتمدت في عام 1981 المدونة الدولية لتسويق بدائل لبن الأم. وتتناول المدونة نطاقاً واسعاً من المسائل يشمل الدعاية للجمهور وممارسات الترويج التجارية والتسويق في نُظم الرعاية الصحية ومتطلبات التوسيم.

وبعد مرور أربعة عقود من الزمن، ما زال العديد من تلك الممارسات البشعة مستمراً في مختلف أنحاء العالم، مع تفاقم وقعه الجماهيري الآن بسبب وسائل التواصل الاجتماعي. فعلى الرغم من إصدار المدونة والقرارات اللاحقة، ما زالت شركات الحليب الصناعي، مدعومةً بميزانيات ضخمة، تتجاهل التوصيات الدولية وتدير حملات دعائية تنافي بشكل منتظم الاستنتاجات العلمية.  

ويشمل بعض تلك المزاعم المغلوطة التي تستخدمها شركات مستحضرات الحليب الصناعي:

  • إن المنتجات المستحضرة تحتوي على مكونات إضافية تحسّن نمو المخ والمناعة؛
  • إن المنتجات المستحضرة ضرورية للطفل بعد 12 شهراً من العمر؛
  • إن حليب الثدي غير مناسب لتغذية الأطفال والرضّع الأكبر سناً؛
  • إن مستحضرات الحليب الصناعي تُبقي الأطفال أكثر شبعاً لمدة أطول وبالتالي تساعدهم على النوم؛
  • إن جودة حليب الثدي تتدنى بمرور الوقت.  

وجميعها مزاعم كاذبة تضرّ بالأطفال وتضرّ بالأمهات.  

فقد وقفت دراسة جديدة من إعداد منظمة الصحة العالمية واليونيسف على العديد من الأمثلة المنهجية لهذا النوع من الممارسات السائدة حول العالم بعد إجراء بحوث في كلٍ من بنغلاديش والصين والمكسيك والمغرب ونيجيريا وجنوب أفريقيا والمملكة المتحدة وفييت نام.  

وشملت تلك الأمثلة: 

نوادي الأطفال: التي تنظمها وتديرها شركات الحليب الصناعي (من خلال مجموعات تكون واجهة لها في بعض الأحيان) وتقدم للأمهات الهدايا والخصوم والمعلومات عن الحمل والولادة و"خطوط رعاية" هاتفية تقدم خدمات "الدعم والمشورة" على مدار الساعة بشأن مختلف العلل، بما في ذلك كوفيد-19.  

التسويق بطريقة المشكلة والحل: هي طريقة شائعة وبارعة في التسويق تهدف إلى إقناع الزبون المحتمل بأن لديه مشكلة يمكن حلها بشراء منتج معين. وهناك زيادة في ممارسات تسويق مستحضرات الحليب "المتخصصة" و"المريحة" التي تزعم بكل وقاحة أن لديها الحل لاعتلالات وسلوكيات الرضّع الشائعة مثل المغص والارتجاع والبكاء، رغم عدم وجود أدلة كافية على فعاليتها.   

استهداف العاملين الصحيين: يستهدف قطاع صناعة الحليب الصناعي الأخصائيين الصحيين والعيادات والمستشفيات بشكل منهجي لتشجيعهم على الترويج لمنتجات الحليب الصناعي. ويشمل ذلك استهدافهم بعروض الرعاية وأنشطة التدريب والهدايا، بما في ذلك الهدايا النقدية أو العمولات في بعض الحالات، للتأثير على ممارسات العاملين الصحيين وتوصياتهم.  

وقد خلصت دراستنا التي شملت عدة بلدان إلى أن نصف النساء اللاتي استُقصيت آراؤهن سبق أن تعرّضن لمثل هذه الممارسات التسويقية للحليب الصناعي، بل إن نسبتهن فاقت 97 في المائة في بعض البلدان.    

وتظل لمستحضرات الحليب الصناعي مكانتها بالطبع بين الأمهات والأسر التي لا تستطيع الإرضاع لأسباب متنوعة، من بينها الافتقار إلى دعم النُظم الصحية والاجتماعية. غير أن ممارسات تسويق الحليب الصناعي، وليس المنتج نفسه، هي ما يخلّ بعملية صنع القرار المستنيرة ويقوّض الرضاعة الطبيعية ويضرّ بصحة الطفل.  

لقد آن الأوان لوقف ممارسات التسويق غير الأخلاقية لهذه المستحضرات. ونحن ندعو الحكومات إلى سنّ وإنفاذ تشريعات في هذا المجال تتوافق مع أحكام المدونة. وندعو المهنيين في مجال الصحة وجمعياتهم إلى حماية الثوابت العلمية وعدم المصادقة على أي منتجات إلا من منطلق الصالح العام. وندعو المستثمرين إلى التمسك بالممارسات التجارية الأخلاقية. وندعو منصات التواصل الاجتماعي إلى رفض الممارسات التي تقوّض صحة الأطفال.  

لقد قال نيلسون مانديلا ذات يوم "لا شيء يفصح عن روح مجتمع ما مثل الطريقة التي يعامل بها أطفاله". غير أن تسويق مستحضرات الحليب الصناعي ما زال يتبع مبادئ تسويق المنتجات الأخرى مثل التبغ وطعام الوجبات السريعة والمشروبات المحلاة والقمار.  

لقد آن الأوان للكف عن إعطاء الأولوية لأرباح الشركات على صحة الأطفال.  

لنضع حداً للتسويق غير الأخلاقي للحليب الصناعي.  

أطفالنا يستحقون ذلك.   

[1]  Victora CG, Bahl R, Barros AJ, França GV, Horton S, Krasevec J, Murch S, Sankar MJ, Walker N, Rollins NC; Lancet Breastfeeding Series Group. Breastfeeding in the 21st century: epidemiology, mechanisms, and lifelong effect. Lancet. 2016 Jan 30;387(10017):475-90. doi: 10.1016/S0140-6736(15)01024-7