كانت ناميبيا أول دولة أفريقية تحظر استعمال المضادات الحيوية الروتيني في قطاع صناعة اللحوم بها، بإجازتها قانون لذلك منذ 26 عاماً. وازدهار هذه الصناعة بها إنما يدلّل على إمكانية نجاح إنتاج اللحوم على نطاق كبير من دون إهدار أحد أثمن موارد الطب الحديث.
تُعطى العديد من الحيوانات المنتجة للغذاء (كالماشية والخنازير والدواجن والأسماك) في جميع أنحاء العالم مضادات حيوية يومياً لزيادة حجمها بسرعة، كما تُعطى هذه المضادات للحيوانات المحتجزة لوقايتها من الأمراض.
وبهذا الخصوص، يقول مدير إدارة السلامة الغذائية والأمراض الحيوانية بمنظمة الصحة العالمية (المنظمة)، الدكتور كازواكي مياغيشيما، "إن حجم استعمال المضادات الحيوية للحيوانات مستمر في التزايد في شتى أرجاء العالم نظراً لتزايد الطلب على الأغذية الحيوانية المصدر والمنتَجة غالبا بسبل التربية الحيوانية المكثّفة". ويضيف قائلاً "إن البيّنات العلمية تثبت بوضوح أن الإفراط في استعمال المضادات الحيوية للحيوانات قد يسهم في نشوء مقاومة هذه المضادات."
ناميبيا تقود الطريق
في عام 1991، أقرّت ناميبيا قانوناً لحظر استعمال الهرمونات والمضادات الحيوية لتعزيز نمو الحيوانات في قطاع صناعة اللحوم.
وتقول الموظفة التنفيذية لشؤون ضمان الجودة بالشركة الناميبية للحوم، السيدة روسا كاتجيفينا، في هذا السياق: "يُسمح لنا بإعطاء المضادات الحيوية لمعالجة الأمراض البكتيرية، لا للوقاية، ولا نقوم بذلك إلا بوصفة طبيب بيطري."
وتردف السيدة كاتجيفينا قائلة "إن المخاطر الصحية هي أكبر شواغلنا، ذلك أن الإفراط في استعمال المضادات الحيوية يؤدي إلى نشوء "بكتيريا مستعصية" (أي مقاوِمة للمضادات الحيوية). فالبكتيريا العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين، فضلاً عن بعض سلالات السالمونيلا، قد أصبحتا تقاومان المضادات الحيوية جراء ممارسة الإفراط في استعمال هذه المضادات."
المبادئ التوجيهية الجديدة التي أقرّتها المنظمة
أقرّت المنظمة، كجزء من أعمالها في مجال التصدي للتهديد المتمثل في مقاومة المضادات الحيوية والمتنامي في العالم، مبادئ توجيهية جديدة بشأن استعمال المضادات الحيوية للحيوانات المنتجة للغذاء، تستهدف المساعدة في الحفاظ على نجاعة المضادات الحيوية المهمة للطب البشري بخفض مستويات استعمالها بلا داعٍ للحيوانات المعافاة. وتوصي هذه المبادئ التوجيهية، المعزِّزة للأعمال التي تضطلع بها بعض البلدان كناميبيا، بأن تكفّ جميع البلدان عن استعمال المضادات الحيوية روتينياً لتعزيز نمو الحيوانات المعافاة ووقايتها من الأمراض.
مبادئ المنظمة التوجيهية بشأن استعمال المضادات الحيوية المهمة طبياً للحيوانات المنتجة للغذاء
وتعمل المنظمة حالياُ في ناميبيا مع الحكومة من أجل وضع خطة عمل وطنية توجّه جميع أعمال الحكومة في مجال التصدي لمقاومة مضادات الميكروبات، وستُواءم هذه الخطة مع خطة العمل العالمية بشأن مقاومة مضادات الميكروبات التي وافقت عليها الحكومات في اجتماع جمعية الصحة العالمية لعام 2015.
خطة العمل العالمية بشأن مقاومة مضادات الميكروبات
الوقاية من العدوى
يعمد مربّو الحيوانات ومنتجو الأغذية في ناميبيا، وسائر البلدان التي كفّت عن استعمال المضادات الحيوية روتينياً لوقاية الحيوانات من الأمراض، إلى تلافي انتشار العدوى بين حيواناتهم بتحسين أحوال إيوائها.
وفي هذا الصدد، تقول السيدة كاتجيفينا: "نحن نركّز على تحقيق العافية وتوخي النظافة كوسيلتين وقائيتين، إزاء ممارسة إعطاء الأدوية للوقاية من الأمراض. واتّباع نهج تحقيق العافية الحيوانية يشكل ميزةً، قطعاً، لأنه يُحسّن كثيراً من جودة اللحوم. وجميع أعمالنا تُنجز بهدوء ومنهجية، لنخفّض بذلك مستوى التوتر لدى الحيوانات. فإذا كان الحيوان الذي تربّونه مصاباً بالتوتر، يصبح لحمه داكن اللون وغير جذّاب للمستهلك ويزداد قصر مدة صلاحيته كثيراً."
ومن المسائل المهمة في هذا السياق الحفاظ على نظافة الحظائر وزيادة المساحة المخصصة للحيوانات، فضلاً عن ضمان حصولها على المياه النظيفة والغذاء الطازج والجاف. ويشكل تطعيم الحيوانات ضد الأمراض المعدية أحد الأساليب الأخرى المأمونة والفعالة والميسورة التكلفة للحد من الحاجة إلى استعمال المضادات الحيوية.
المستهلكون يوجّهون حركة السوق
قد يظن المرء منا أن هذا الحظر يجرّد ناميبيا من ميزة تنافسية إزاء سائر البلدان التي تُجيز استعمال المضادات الحيوية لتعزيز نمو الحيوانات، نظراً لأن الحيوانات المُربّاة باستعمال هذه المضادات تنمو بوتيرة أسرع ويمكن نحرها في وقت أبكر من تلك الخالية منها. غير أن هذه الشواغل سرعان ما فقدت وزنها بازدياد الطلب على اللحوم العالية الجودة المسوّقة بوصفها خالية من المضادات الحيوية.
وبهذا الخصوص، تقول السيدة كاتجيفينا: "في الواقع، نحن نحظى بسعر مميز جداً في السوق. وتمتُّعنا بهذه الميزة إنما يُعزى إلى الوضع القانوني المتصل بحظر استعمال المضادات الحيوية والهرمونات. فسوقنا الأساسي بلدان الاتحاد الأوروبي، وهي سوق بالغة الأهمية لنا، إذ تمنع هذه البلدان وتحظر استعمال المضادات الحيوية والهرمونات لتعزيز نمو الحيوانات. ومن ثَم، فلتيسير هذه المسألة علينا، طَرقنا طريق تشريعها بقانون."
بل حتى في البلدان التي لا تسنّ قوانين لحظر استعمال المضادات الحيوية لتعزيز نمو الحيوانات، يحفّز المستهلكون الواعون صحياً نشوء سوق دائمة التوسّع للحوم الخالية من المضادات الحيوية.
وفي عام 2016، أصبحت ناميبيا أول بلد أفريقي مؤهل لتصدير لحومه فائقة الجودة إلى سوق الولايات المتحدة الأمريكية، وهي سوق ضخمة الإمكانات. ويتوقع البلد أن يصدّر إلى هذه السوق أكثر من خمسة ملايين كيلوجرام من اللحم سنوياً بحلول عام 2021.